
الراصد : المراقبة القضائية تدبير إستثنائي نظمه المشرع الموريتاني من خلال قانون الإجراءات الجنائية للحدد من حالات الحبس أو الاعتقال ولضمان حضور المتهم . وذلك فى الفصل الأول من الباب الثالث المتعلق بقاضي التحقيق الذى نصت مادته 123 على أنه يمكن للمتهم أن يخضع لتدبير الوضع تحت المراقبة القضائية في أية مرحلة من مراحل التحقيق وذلك بأمر من قاضي التحقيق لمدة شهرين قابلة للتجديد خمس مرات . ويتم إنهاء المراقبة القضائية فى جميع مراحل التحقيق ، إما من طرف قاضي التحقيق من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من النيابة العامة أو المتهم أومحاميه أو بسبب عدم إحترام المتهم للالتزامات المفروضة عليه بموجب الأمر القاضي بالوضع تحت الملراقبة القضائية .
إن معالجة المشرع الموريتاني لتدبير الوضع تحت المراقبة القضائية يثير العديد من الاشكالات لعل من ابرزها :
ا) أثر إحالة قاضي التحقيق ملف القضية الى المحكمة المختصة على ما اتخذه من أوامر وقرارات خصوصا تلك المتعلقة بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية .
ب) أثر مبادئ القياس فى المادة الجنائية ونظرية الضرورة والشرعية الاجرائية على قرار الوضع تحت المراقبة القضائية وعلى إمتداد أثره الى مابعد إحالة الملف.
إن أثر إحالة الملف الى المحكمة المختصة على أمر قاضى التحقيق بالوضع تحت المراقبة القضائية تتقاسمه في الحقيقة عدة آراء تختلف من حيث الأسس والمبررات والنتائج وذلك إبتداء من ماتضمنته المادة 123 من قانون الاجراءات الجنائية مرورا بإعمال القياس في المادة الجنائية والاستناد على الشرعية الاجرائية وأنتهاء بالإعتماد على روح القانون وفلسفته التى تفترض الإبقاء علي المراقبة القضائية الى حين صدور الحكم بإعتبارها الضمانة الوحيدة المتاحة لحضورالمتهم للجلسة.
إن إختلاف تلك الآراء من حيث الأسس والمبررات والنتائج يفرض التنبيه علي جملة من الملاحظات من أهمها :
1) أن المشرع حينما أعطى لقاضي التحقيق حق الأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية بموجب المادة 123 من قانون الاجراءات الجنائية فقد أعطى ذات الحق للتشكلات ولرؤساء المحاكم المختصة بالحكم بموجب المادة 148 من نفس القانون وإن كان مجال أمر قاضي التحقيق بالوضع تحت المراقبة القضائية أوسع مما هو مقرر بالنسبة للمحاكم ( طلب فتح تحقيق . طلب إفراج مؤقت ) .
2) إن المشرع قد حدد المدى الزمني لأمر الوضع تحت المراقبة القضائية الصادر عن قاضي التحقيق بمراحل التحقيق كمايظهر من خلال نص المادة 123 من قانون الإجراءات الجنائية ويكون المشرع الموريتاني بذلك قد اغفل جانبا اساسيا ومهما من جوانب الوضع تحت المراقبة القضائية الا وهو مدى اختصاص المحاكم في رفع المراقبة القضائية او الإبقاء عليها اوصلاحية الوضع تحتها في حالة ما إذا تعهدت في القضية بموجب أمر احالة من قاضي التحقيق . وقد شكل هذا التجاهل في الواقع قصورا في المعالجة التشريعية لهذا الاجراء كما تسبب في اشكالات كان بمقدوره التغلب عليها لوأنه استشرف في معالجته تلك ما قد يثار من صعوبات.
3) إن إصدار المحاكم المختصة بالحكم فى القضية لأمر الوضع تحت المراقبة القضائية مرتبط بكون المتهم أو المدان في حالة حبس أيا كان سببه ( أمر إيداع صادر عن قاضي التحقيق ، حكم أو قرار صادر عن محاكم الأصل ......) وهو مايعنى أن المشرع حينما منح قاضي التحقيق إمكانية الأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية فى أية مرحلة من مراحل التحقيق فقد أعطى تلك المكنة لمحاكم الحكم بعد صدور أمر إحالة الملف اليها أوبمجرد تعهدها بالحكم فيه أيا كان سبب التعهد وذلك بمجرد توافر شرطين هما أن يكون المتهم أو المدان قيد الحبس وان يتقدم بطلب إفراج مؤقت. وذلك إن دل على شيئ فإنما يدل علي ان المشرع الموريتاني قد استبعد حق المحاكم المتعهدة بموجب أمر إحالة صادر عن قاضي التحقيق في امكانية رفع المراقبة القضائبة عن المتهم متى تمت احالته اليها في حالة وضع تحت المراقبة القضائية ، ليبقى اشكال إمتداد أثرالأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية الصادر عن قاضي التحقيق الى مابعد صدور أمر الإحالة قائما ، ولايسعف في حل هذا الاشكال اللجوء الي القياس لكون المبدأ السائد انه لاقياس في المادة الجزائية انطلاقا من مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ولتعارض القياس مع الشرعية الاجرائية من منطلق ان التشريع هو مصدر الاجراءات الجنائية فلايكفى ان يقرر القانون الاجراء الجنائي فحسب بل يجب تحديد الشروط الشكلية والموضوعية اللازمة لاتخاذ الاجراء والتي لو تم اغفالها اوتمت مخالفتها بطل الاجراء. كما انه لايمكن لحل هذ الاشكال اثارة علاقة الضرورة بالشرعية الاجرائية والقول بامكانية تطبيقها في مجال قانون الاجراءات الجنائية الذي لم ينظم مبدأ النظرية العامة للضرورة علي خلاف غيره من القوانين الأخرى وان كان البعض يرى امكانية تطبيق نظرية الضرورة ولو لم يتم النص عليها من منطلق ان العمل بالضرورة من شأنه دعم حرية المتهم وزيادة ضماناته الاجرائية ولكون هذه النظرية تأكد قاعدة اساسية تحكم النظم الاجرائية برمتها الا وهي أن الأصل في المتهم البراءة .
4) ان ما اثاره نظام المراقبة القضائية من تحديات واشكالات بعد اقرار المشرع له وتطبيقه من طرف القضاء ، اصبح يفرض بالحاح علي المشرع الموريتاني مراجعتة وتحيينه علي الوجه الذي يضع حلولا مستديمة لتلك الإشكالات ويرفع ما قد يثيره من تحديات في المستقبل .
والله اعلم
القاضي عبدالله اندگجلي