حين يتحوّل فضح الفساد إلى جريمة....

خميس, 24/07/2025 - 21:19

الراصد : يؤكد المنشور الذي اغضب عصابات المخزن أنه لسنوات طويلة، ظل فقراء هذا البلد ضحية عصابات تتستر وراء شعارات توزيعات مجانية ودعم الفئات الهشه وغيرها من الشعارات المزيفة التي نهبت بها مزانيات ست سنين خلت رغم ارتفاع أصوات المهمشين والمحرومين من حرمانهم من ما تم من توجيه دعم  لهم  ورغم اننا رفعنا  أصواتنا و كتبنا  واحتججنا ونادين  بضرورة تطهير البلاد من بؤر الفساد التي عششت في مفاصله 
 بإرساء منظومة شفافة، تحترم الكفاءة وتضع حدًا لتجار المخزن  الذين حولوا  ممتلكات بلد باكمله إلى بضاعة تباع في الكواليس، عبر “الزبونية، والقرابة، وأحيانًا المصاهرة ”.
لكن بدل أن تفتح الدولة تحقيقًا جديًا، وبدل أن تُوجّه بوصلة المحاسبة نحو من سُمي إعلاميًا بـ”بطابور المخزن”، تمت معاقبة الضحايا أنفسهم. نعم، عوقب  الذين كشفوا المستور، وضُيِّقوا  الخناق علي من مصوا دماء شعب بأكمله، فإما طُردوا، أو تم تهديدهم، أو أُدخلوا في متاهات او فصلوا  نهائيا من عملهم  .
 لقد أصبحت الجملة الشائعة داخل المؤسسات العمومية: “إياك أن تفتح فمك، فهنا تسود ثقافة الانتقام”.
والأدهى من ذلك، أن هذا الفساد المسكوت عنه لا يُزعجه سوى صوت حر .  لا يطبّل، و لا يقبض ثمن صمته .
 نحن – ومن خلال تجربة صحفية  كنا شهودًا على هذا التحول الخطير. دفعنا ثمن أقلامنا عبر تحملنا الاساءات والتشهير ،
حاولوا خلال الآونة الأخيرة جاهدين جرّنا إلى شبهات ، عبر تحريض أذناب المخزن لتوريطنا في ملفات  عن سبق إصرار، لكنهم فشلوا.
لقد دفعنا ثمن أقلامنا ، ووجدنا أنفسنا في قلب قضايا ملفقة ، فقط لأننا اخترنا أن نكتب الحقيقة… لا أن نغني على إيقاعهم.
هل يُعقل أن تتحول الاتهامات  إلى وسيلة انتقام ضد مواطن  فقط لأنه فضح المتورطين في الفساد؟
هل بلغ الانحدار أن تُطبخ الملفات في الظلام، ويتم تحريك أذناب المخزن لتشويه السمعة؟ أين هي حماية المواطن  من التشهير والانتقام؟ أليست حرية التعبير جزءًا من الدستور الذي يتغنون به صباح مساء؟
هنا إن رفعت صوتك ضد العبث، فأنت متمرد، وإن كتبت ضد من يبيعون ثروت بلد أو مناصب، فأنت مغرِض، وإن طالبت بتفعيل المحاسبة، فأنت خائن. نحن متهمون 
و لا نستبعد أن تُلفّق لنا تُهم لا يعلمها إلا الله وأصحاب القرار، لأننا فقط رفضنا الانخراط في جوقة المصفقين.
لقد وصلنا إلى مرحلة اختزلت فيها  الدولة في أسماء وشبكات، حيث يصبح الحديث عن النزاهة مخاطرة وجودية، ويصير النقد جريمة وطنية. فكيف نُطالب المواطن بالثقة في مؤسساته، والفساد يعشش في أعز ما نملك برلماننا وقضائنا وأحزابنا؟   واختلطت  السياسة  لدينا بالجريمة.
وإذا أردت أن ترى قمة العبث، فانظر إلى من يُقدمون أنفسهم حماة للبلد  وهم في ذات الوقت متهمون في قضايا مخدرات صلبة، أو موضوع فضائح مالية، لكنهم  يُمنحون  حق التكلم باسم المواطنين.
هؤلاء لا يخجلون من ماضيهم، بل يعتبرونه مؤهلاً، ويجدون من يحتفي بهم، ويوفر لهم “مظلة  تقيهم المحاسبة. هذه ليست مبالغة، بل واقع 
خاتمة مؤقتة… لأن الحكاية لم تنتهِ بعد
نكتب اليوم، وقد نُستدعى غدًا. نُحاكم اليوم بتهمة الرأي، وغدًا ربما يُقال إننا “تحرشنا بالكلمات”، أو “اغتصبنا المعنى”، أو “روّجنا للوعي الزائد”.
لكننا نعرف أن التاريخ لا يُرحم، وأن الوطن ليس حظيرة، وأن الحق لا يُفصّل على مقاس المفسدين.
لقد أنهكتنا مناوراتهم،  طيلة ست  اعوام خلت، ، دسّوا التهم في الظلام، وأطلقوا ألسنة الذباب كي تنهش سمعتنا… لكنهم فشلوا في كسرنا .
فشلوا لأننا لا نُباع ولا نُشترى، لأننا لا نُساوم على الوطن، ولا نُوقّع على الصمت. فشلوا لأننا لم نكن يومًا طلاب مناصب ولا متسولين لرضاهم، بل كنا وما زلنا جنودًا في صف الحقيقة، أقلامنا بنادق، وكلماتنا نار تحرق الأقنعة.
فلن نركع إلا حين ندفن أحياءا ونكتب أسماءهم في ذاكرة هذا الوطن.
بقلم شيخنا سيد محمد