
الراصد : ( أسوأ أنواع الديكتاتورية هي تلك التي ترتدي قناع الديمقراطية ) بهذه الكلمات الحاسمة لخوسيه مارتي المناضل الكوبي نلخص ما يحدث اليوم في مدينة انواذيب المدينة التي تحولت إلى مسرح كبير لعرض سياسي لا يحمل في كواليسه سوى التهميش و الخذلان ، حيث تصنع البطولات الكاذبة و تلون مشاريع وهمية بألوان الوطنية في حين يكمم صوت الشعب و تفرغ جيوبه و تحاصر آماله .
تعيش انواذيب لحظة مفارقة تاريخية تعلن فيها السلطات مشاريع تدشين احتفالية تختزل كل فصول الخداع السياسي الحديث ، تدشينات بلا مضمون و وعود بلا نتائج تغلفها خطب منمقة و تصفق لها حشود مستقدمة مستورد ، فيما الحقيقة المرة تطاردها الاعتقالات و تمنع عنها الميكروفونات و يزج بحملتها في الزنازين .
الدمقراطية ليست حفلا خطابيا و لا منصات مزينة بل هي كما قال الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس: ( نقاش عام حر تحترم فيه الكلمة و تصان فيه الكرامة و يحاسب فيه المسؤول ) لكن ما يجري اليوم في انواذيب هو عكس ذلك تماما ، كل صوت حر يقصى و كل عقل ناقد يتهم و كل إصلاح محتمل يطوى في دهاليز المحسوبية ، خذوا مثلا ما جرى في الشركة الموريتانية لصناعة السفن أكثر من مئة و عشرة عامل سرحوا في صمت لا لشيء إلا لتمهيد الطريق لإفلاس مبرمج يفتح بعده الباب لشركة خاصة على مقاس فئة متنفذة ، هذا ليس فقط اغتيالا للعمل الجماعي بل كما وصفه المفكر الاقتصادي جوزيف ستيغليتز ( خصخصة المؤسسات العمومية دون شفافية لا تولد إلا احتكارا جديدا باسم الإصلاح )
و ما قيل عن مشروع تحلية مياه البحر لا يخرج عن ذات السياق ، مشروع صور كمنقذ روج له إعلاميا و استخدم سياسيا لكنه فشل في معالجة العطش و لا تزال المزارع عطشى و البيوت تنتظر قطرة ماء ألا يؤكد هذا قول مالك بن نبي ( إن حضارة الشعارات لا تنقذ شعبا بل تغرقه في الوهم ) انواذيب التي قدر لها أن تكون منطقة حرة وقطبا تنمويا تقتل اليوم ببطء شواطئها تباع للنافذين فضاءاتها البيئية تدمر خليج النجمة يغرق في الصرف الصحي و القمامة و مقدراتها تنهب في وضح النهار إنها النكسة الصامتة التي قال عنها نجيب محفوظ ( الخطر الحقيقي ليس في الطغيان وحده بل في من يسكت عنه أو يصفق له )
نحن أمام عبث منظم يلبس الخراب ثوب التقدم و يستبدل المواطنة بالولاء . إنواذيب لا تحتاج إلى مواسم التدشين الزائف بل إلى إرادة وطنية صادقة و إلى رجال لا يبحثون عن التصفيق و تطبيل بل عن الحقيقة رجال يحملون على أكتافهم هم الإصلاح لا كامتياز سياسي بل كواجب وطني أخلاقي و تاريخي .
و عزاؤنا اليوم ليس فقط لمدينتنا التي تفترس بل أيضا لكل صوت حر خلف القضبان لأنه تجرأ على الحلم في وطن لا يسمح فيه إلا بالصمت و كما قال نيلسون مانديلا ( إن أكبر انتصار للظلم ليس في سجن الأحرار بل في جعل الناس يعتقدون أن لا فائدة من الحرية )
مكي عبد الله عضو و ناشط في منظمة إيرا الحقوقية و عضو في حزب الرك
أنواذيب بتاريخ : 28\07\2025