فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً .....!!

أربعاء, 14/05/2025 - 05:18

الراصد : عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يَا رسول  اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ : ( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ؛ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ـ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ ـ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟ ) .صححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
و قال تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾(الاسراء:53). 
لقد أصبحنا أمام خطاب متدني و هابط و “خالي الدسم”، لا يزرع الوعي، ولا يحفّز الفكر، بل يساهم في تسطيح القضايا، وإعادة تدوير التفاهة بصيغة مقززه، بل وأكثر خطورة لأنها تُمارس من قبل من كان يظن البعض انهم  قادة الفكر ومحل حل الأزمات.
أين نحن من الخطاب ؟  الذي يوازن بين التأثير الشعبي والعمق الفكري، بين اللحظة والتاريخ، بين الكلمة ونتائجها ، و يحمل هم الأمة، ويضع المستقبل في حسبانه، ويتعامل مع الجمهور بوصفه شريكًا في الوعي لا مستهلكًا للانفعال.
نحن بحاجة ماسة إلى إعادة الاعتبار للخطاب السياسي، عبر رفع سقف المعرفة لدى السياسيين، وتحصين الجمهور ضد المحتوى الهابط، وتعزيز دور المثقف في فضاء السياسة ، فالأمم لا تُبنى بخطابات ( بذيئة فسبوكية او انستجرامية او تيكتوكية … ) ، بل بفكر سياسي عميق، متين، ورصين، يعبر عن هموم الشعب ولا يتاجر به .
في زمن طغت فيه السرعة على العمق، والتفاعل اللحظي على التفكير الطويل، و تهاوى فيه الخطاب السياسي من مقامه الرفيع إلى ساحات التهريج والاستعراض، حتى بات يصعب التمييز بين منشور “تافه” على منصة اجتماعية، وتصريح “رسمي” لقائد أو مسؤول سياسي  او ناطق إعلامي او رئيس حزب أو برلماني 
لم يعد الخطاب السياسي معنيًا بالتحليل والتفسير، بل صار ينافس “الترند” ويتسابق مع “المحتوى الهابط” على جذب الانتباه ، فأصبحنا نرى سياسيين ومثقفين ومسؤولون كبار  ونواب يعمدون إلى إطلاق تصريحات شعبوية، سطحية، و بذيئة  أو حتى هجومية بهدف تحقيق الانتشار الفوري، بصرف النظر عن عمق المضمون أو صدقيته. و ذالك عائدا الي ضعف العديد من السياسيين والمسؤولين وممثلي الشعب والناطقين الإعلاميين فكريًا وثقافيًا، وعدم امتلاكهم لأدوات التحليل والبيان،  مما جعلهم يختارون الطريق الأسهل: الاستعراض بدل التحليل، والتهريج بدل الحوار، والشتيمة بدل الإقناع.
ان  استشراء المفردات السوقية في الخطاب السياسي هو تشويه لسمعة بلاد المنارة والرباط
التي بلغت ذروة الإعجاز والبلاغة من حيث استكمال توصيل المعنى المراد وتقريبه للأفهام من خلال محاظرها و علمائها متمسكين بقوله تعالي 
{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} 
كل ما أستطيع أن اختم به هنا هو قول العزيز الحكيم 
{فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلْأَرْضِ...}  
بقلم شيخنا سيد محمد