المعلم والقاضي.. حين تغيب العدالة بين الموظفين / كليم الله ولد أحمدي

أحد, 17/08/2025 - 19:28
كليم الله أحمدي / مؤطر مهتم بقضايا المدرسين

الراصد : يبدو للوهلة الأولى أن المعلم والقاضي ينتميان إلى عالمين مختلفين: الأول يحمل القلم، والثاني يرفع الميزان. لكنّ التأمل العميق يكشف أن كليهما يؤدي دورا أساسيا في تحقيق العدالة، وإن اختلفت أدواتهما وميادين عملهما.

المعلم صانع الوعي وباني القيم، وحجر الأساس في بناء المجتمع. فهو لا يعلّم فقط القراءة والكتابة، بل يغرس القيم، ويشكّل الوعي، ويزرع في نفوس الأجيال مفاهيم العدل، والاحترام، والمساواة.
ففي الفصل الدراسي، يعلّم الطلاب أن الحق لا يُؤخذ بالقوة، وأن الخطأ له عواقب، وأن الصدق فضيلة.
وهكذا، ينشأ الأطفال على إدراك ما هو "حق" وما هو "باطل"، قبل أن يحتكوا بالقوانين والمحاكم.

أما القاضي، فهو ممثل العدالة في بعدها القانوني، يحتكم إلى النصوص ليبتّ في النزاعات، ويعيد الحقوق إلى أصحابها، ويمنع الظلم من أن يستشري.
لكن القاضي لا يستطيع أن يؤدي دوره بفعالية، إلا إذا كان من أمامه من أفراد ومجتمع قد تربّوا على احترام القانون وفهم العدالة... وهنا يظهر دور المعلم من جديد.

المعلم يسبق القاضي في الزمن والتأثير؛ فإذا أُحسن التعليم، واعتمد على القيم الأخلاقية والعدل كأساس، قلّت الحاجة إلى القضاة والمحاكم.
فالمجتمع المتعلم أخلاقيًا هو مجتمع منضبط قانونيًا.
ومن جهة أخرى، حين يضع القاضي حكما عادلا، فهو يرسّخ تلك المبادئ التي نادى بها المعلم، ويُظهر أن تلك القيم ليست نظريات، بل أساس النظام العام.

ولكن حكوماتنا لا تزال تواصل إيثار القاضي وإهمال المعلم، وتضيع العدالة بين موظفيها بشكل فج وعميق، ما يظهر ضرورة مراجعة سياساتها التمييزية بشكل عاجل.
فهنيئا لقطاع العدالة الزيادة وتحسين وضعهم المعنوي والمادي، وواقعا أفضل لعمال قطاع التربية والتعليم.