الدواء .. مسار آمن لأجل منظومة صحية قوية

سبت, 10/05/2025 - 14:02

الراصد : تمثل مراقبة الأدوية وتسييرها بشكل محكم أحد الأعمدة الجوهرية لضمان الأمن الصحي لأي دولة، ولا سيما في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه قطاع الدواء على المستويين الوطني والدولي

فموريتانيا كسائر الدول النامية ليست بمنأى عن مخاطر الأدوية منتهية الصلاحية أو تلك التي تستغل لأغراض غير طبية، كما هو الحال مع بعض الأصناف المهدئة أو المنبهة التي باتت تستهلك خارج الإطار العلاجي

ومن هنا تبرز الحاجة إلى نظام رقمي وطني يعيد رسم خارطة التوريد والتوزيع والمراقبة وذلك من خلال تطوير منصة تشرف عليها وزارة الصحة، وتربط مباشرة بمنظومة الجمارك الوطنية في المنافذ البرية والبحرية والجوية، بحيث تسجل عليها كل شحنة دوائية تدخل البلاد منذ لحظة الإفراج الجمركي وترتبط بشكل تلقائي بالمستورد الرئيسي ويتم لاحقًا ربطها بالجهات الموزعة، سواء كانت صيدليات أو مستشفيات أو مراكز صحية، مع تتبع دقيق للوجهة النهائية المستفيدة من الدواء ( المستهلك الفعلي)

لا يتوقف النظام عند حدود المخزون أو التوزيع بل يشمل أيضا اعتماد وصفة طبية رقمية تنشأ من طرف الطبيب وترتبط بالرقم الوطني للمريض ،وبذلك لا يمكن صرف الدواء إلا بناء على وجود هذه الوصفة على النظام مربوطة بالمستفيد ولا يتم صرف نفس الدواء مرتين إلا بناء على وصفة رقمية جديدة، مع تسجيل عملية الصرف بشكل لحظي لتتمكن الجهات الرقابية من تتبع صرف الأدوية الحساسة، وكشف أي أنماط غير معتادة في الاستهلاك.

وفي سبيل ضمان صرامة النظام ينبغي أن تخضع للمساءلة أي جهة – موردا كان أو موزعا أو صيدلية أو مريضا – يعثر لديه على دواء غير مسجل على النظام بحيث يتم معرفة كيفية دخوله وتجاوزه للإجراءات المعتمدة

كما يمكن أن يتيح النظام للمواطنين الذين جلبوا أدوية من الخارج بصفة شخصية، تسجيلها عبر حساباتهم الصحية على المنصة مرفقة بالوصفة الأصلية مما يسهل دخولها عبر المعابر إن هي توفرت فيها الشروط الفنية و الكمية التي يشترطها النظام 

وبالنسبة للمناطق النائية حيث لا توجد تغطية يمكن اعتماد آلية تقارير شهرية ترسل من المراكز الصحية في الأرياف إلى المقاطعات، لتسجل بعد ذلك بياناتها رقميا، بما يضمن شمولية التتبع 

فوائد هذا النموذج متعددة، بدءا من توفر صورة دقيقة عن وضعية المخزون الوطني من الأدوية ، مرورا بالكشف المبكر عن النواقص وانتهاء بالتقليل من الهدر والتكرار غير المبرر في صرف الأدوية، كما سيساعد هذا التوجه الرقمي في تعزيز عدالة التوزيع، وتحسين جودة الرعاية الصحية، والحد من تسرب الأدوية إلى السوق غير النظامية و منع استيراد أي أصناف ضارة أو استهلاكها بغير مبرر طبي موثق 

إن رقمنة سلسلة تسيير الأدوية ليست فقط مطلبا إداريا أو فنيا، بل هي خطوة إصلاحية ذات أبعاد استراتيجية، تتقاطع فيها الصحة العامة مع الشفافية المالية، والرقابة المؤسسية، والأمن الاجتماعي، ومع ما يتوفر من إرادة سياسية وكفاءات تقنية وطنية، فإن تفعيل هذا النظام ممكن وواقعي، بل وملح في ظل الظروف الراهنة

ولاشك أن اتخاذ هذه الخطوة سيضع موريتانيا في مسار الدول التي اختارت أن تحكم قبضتها على قطاع حساس، لتضمن لمواطنيها دواء آمنا، وتعيد ثقة المجتمع في المنظومة الصحية، وهو استثمار طويل الأمد في صحة الإنسان وفي ثقة المواطن وفي سيادة الدولة على أهم مواردها الحيوية.

علي الشيخ سييدن