
الراصد : مرّت سنة كاملة على تكليف المختار ولد أجاي بمسؤوليات عليا في الدولة، وتولّيه زمام ملفات حساسة ذات صلة مباشرة بالحياة اليومية للمواطنين، من تسيير الماء والكهرباء، إلى الجباية والمالية، وصولاً إلى ملف الحريات العامة والمساءلة السياسية. لكن، وكأن الزمن توقف، أو بالأحرى تراجع إلى الخلف، ليكشف عن وجه أزمة لا تزداد إلا عمقًا، ولا يقابلها من طرف الحكومة إلا صمتٌ أو تبرير.
فماذا تحقق بعد سنة من “التكليف المزدوج”؟
وأين نحن من وعود “التصحيح” و”العدالة الاجتماعية” و”النمو المتوازن”؟
وهل فعلاً تم تكليف الرجل بالإصلاح… أم بتدبير الأزمة فقط؟
1. العطش… حين يُهان الماء في بلد شاطئي
في بلد يطل على الأطلسي بأكثر من 700 كيلومتر، ويزخر بمنظومة أودية وأنهار جوفية ومشروع أفطوط الساحلي، ما زال العطش يُذل سكان نواكشوط وأهالي الداخل على حد سواء.
شهدت العاصمة خلال الأشهر الماضية موجة عطش خانقة، أحياء كاملة لم ترَ الماء لأسابيع، فيما تُباع صهاريج المياه بأسعار لا تطاق، دون تدخل من الدولة أو مساءلة للجهات المكلفة بالتوزيع.
مشاريع تحلية وتعهدات رسمية أُطلقت… لكن الحنفيات بقيت جافة.
والسؤال الذي يفرض نفسه: أين ذهبت المليارات التي أنفقت باسم “تحسين خدمات المياه”؟
2. الكهرباء… الظلام في زمن الطاقة الشمسية
من نواكشوط إلى الداخل، بات انقطاع الكهرباء عادة يومية وطقسًا مزعجًا يُربك العمل والدراسة والطبابة.
وفي بعض مدن الداخل، لا تُرى الكهرباء إلا “سويعات” في اليوم.
شركات الإنتاج والتوزيع تتقاذف التهم، ووزارة الطاقة تدلي بتصريحات مكررة، والمواطن يكتوي بصيف لاهب لا مفر فيه من الظلام.
الطاقة الشمسية التي كان يُفترض أن تحل جزءًا من الأزمة لم تتجاوز حدود الدعاية، فيما لا تزال مولدات الديزل تصرخ تحت ضغط الفساد وسوء التسيير.
3. الأسعار… طعنات متواصلة في جيب الفقير
ما إن تفتح عينيك في الصباح حتى تجد سعرًا جديدًا للخبز، للحليب، للغاز، للماء… والمفاجأة أن الدولة تنكر وجود “أزمة أسعار”!
وفي ظل هذا الإنكار، تُسحق الطبقة الوسطى، ويتضاعف فقر الفقير، وتُرفع الحواجز أمام أي تحسين معيشي.
لا دعم حقيقي، ولا رقابة على السوق، ولا عقوبات على المتلاعبين.
كل شيء متروك لمنطق “دع السوق يفعل ما يشاء”، ولو على حساب الجوعى.
4. الجباية المجحفة… المواطن وحده يدفع
في المقابل، تعرف الجباية انتعاشًا ملحوظًا، ليس لصالح خزينة الدولة، بل لصالح نُخَب مالية تُفرض عليها الضرائب نظريًا وتُعفى عمليًا.
في حين يُلاحق أصحاب المشاريع الصغيرة، ويُغلق المتاجر البسيطة بحجة “عدم الامتثال”، وتُفرض ضرائب على كل شبر وكل سلعة.
لقد تحولت الدولة إلى آلة لتحصيل الجبايات بدل أن تكون راعية للخدمات.
5. الفساد… مافيا بلا محاسبة
رغم الحديث المتكرر عن الحرب على الفساد، ما زال الفاسدون يتقدمون الصفوف، بعضهم عاد من “العزلة الطوعية”، والبعض الآخر يكرم في الاحتفالات، أو يُكلف بمناصب جديدة.
لا محاكمات تُذكر، ولا استرجاع أموال، بل تكافؤ في الإفلات من العقاب، وتكريس للّامساءلة.
وفي هذا المناخ، تصبح “الشفافية” مجرد لافتة ديكور لتمرير مشاريع وصفقات مشبوهة.
6. الحريات… التراجع المخيف
شهدت السنة الماضية تضييقًا واضحًا على الحريات العامة والإعلامية والسياسية، بدءًا من إغلاق الجمعيات، ورفض التراخيص، وصولًا إلى ملاحقة صحفيين ونشطاء على خلفية الرأي.
السلطة الحالية، بواجهتها المدنية، تُمارس رقابة صامتة على الفضاء العمومي، وتُرسل رسائل غير مطمئنة لكل من يرفع صوته.
فهل هذه هي الجمهورية الثانية؟ أم مجرد تكرار بوجه جديد؟
خلاصة: هل من مزيد؟
ما تحقق خلال سنة من هذا “التكليف” هو تكريس للجمود، وتعميق للأزمة، وتغليف للفشل بعبارات العلاقات العامة.
النتيجة حتى الآن:
مواطنٌ عطشان
منزلٌ مظلم
جيبٌ فارغ
صوتٌ مخنوق
فاسدٌ مطمئن
ويبقى السؤال الأهم:
هل ننتظر سنة أخرى؟ أم أن الوقت قد حان لمحاسبة حقيقية… تبدأ من أعلى الهرم التنفيذي؟