الإنهاء التعسفي لعقد العمل في التشريع الموريتاني. بقلم / احمد المجتبى الطـالب أمين

خميس, 27/11/2025 - 11:59
أحمد المجتبى الطالب أمين / باحث قانوني

الراصد : المقدمة
إذا كان مفهوم الإنهاء التعسّفي لا يطرح إشكالًا ذا بال في نطاق العقود المدنية بوجه عام، فإن الوضع يختلف بصورة جلية في عقد العمل، لما يحيط بفسخه من خصوصيات وصعوبات نابعة من الطبيعة الحمائية لهذا العقد ومن اختلال التوازن بين طرفيه. ويُعزى هذا التعقيد أساسًا إلى تباين طرق الإنهاء بين العقود المحددة المدة والعقود غير المحددة المدة؛ إذ إن الأصل أن العقد المحدد المدة ينقضي تلقائيًا بانتهاء أجله إذا كان مؤقتًا، أو بإنجاز العمل إذا كان مبرمًا لإنجاز مهمة معينة، وذلك دون حاجة إلى أي إجراء إضافي.
أما العقد غير المحدد المدة، فإنه يقوم – بحكم طبيعته – على دوام العلاقة المهنية واستمراريتها، ومن ثم فقد أجاز المشرّع إنهاءه بإرادة منفردة دون اشتراط اللجوء إلى القضاء أو اتفاق الأطراف. وقد نصّ قانون الشغل الموريتاني صراحة على ذلك في المادة 46 التي جاء فيها: «يجوز إنهاء عقد العمل غير المحدد المدة دائمًا بإرادة أحد الأطراف…». ويستند هذا التنظيم إلى فلسفة تشريعية تهدف إلى تفادي تأبيد الروابط التعاقدية وضمان حرية كل طرف في إنهاء علاقة العمل عندما تقتضي ذلك ضروراته الخاصة؛ فحق الإنهاء بالنسبة للعامل هو امتداد لحرّيته الفردية، في حين يمثّل بالنسبة لرب العمل وسيلة ضرورية للتكيّف مع متطلبات النشاط الاقتصادي وحاجات الإنتاج.
غير أنّ تماثل الحق المقرر للطرفين نظريًا لا يحجب حقيقة أن ممارسة الإنهاء في الواقع تأتي غالبًا من جانب رب العمل، ويرجع ذلك إلى اختلال مركز الطرفين: فالعامل – بطبيعته – صاحب موقع اقتصادي هش، في مقابل رب عمل يمتلك سلطة اقتصادية واجتماعية ويملك القدرة على فرض شروطه. وإذا كان العامل قادرًا – من حيث المبدأ – على الاستقالة للتخلّص من رابطة التبعية التي قد تثقله، فإن التسريح الذي يبادر به رب العمل ينطوي على آثار بالغة الخطورة، إذ يجرّد العامل من مصدر رزقه ويهدد استقراره المهني والأسري، لاسيما في فترات الركود الاقتصادي التي يصعب فيها الولوج مجددًا إلى سوق العمل.
لهذا، تبدو المقارنة غير متوازنة بين ما قد يلحق رب العمل من ضرر عند مغادرة العامل لمشاريعه، وبين الانعكاسات الكارثية التي يتكبّدها العامل عند فصله تعسفًا. ومن هنا تنشأ أهمية بحث الإنهاء التعسفي وشروطه وآثاره.
 
المطلب الأول: ماهية الإنهاء التعسفي لعقد العمل
وإذ لم يضع المشرّع الموريتاني في قانون الشغل – شأنه في ذلك شأن معظم التشريعات – معيارًا دقيقًا أو تعريفًا جامعًا مانعًا للإنهاء التعسفي لعقد العمل، فإن ذلك يقتضي الوقوف بدايةً عند تعريف الإنهاء التعسفي (فقرة أولى)، قبل الانتقال إلى بحث المعايير المعتمدة في تكييف هذا الإنهاء باعتباره تعسفيًا (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: تعريف الإنهاء التعسفي لعقد العمل
يرى جانب من الفقه أن الإنهاء التعسفي لعقد العمل هو: «التصرف القانوني المنفرد الصادر عن رب العمل، شفويًا أو كتابيًا عندما يقتضي القانون ذلك» ()، غير أن هذا التعريف يؤخذ عليه تضييقه لنطاق الإنهاء التعسفي، إذ حصَره في التصرف الانفرادي الصادر عن رب العمل دون غيره، فضلًا عن إشكال الصياغة في عبارة «حين يقتضي القانون ذلك»، وهي عبارة لا تستقيم منطقيًا؛ لأن القانون – بطبيعته – لا يمكن أن يفرض أو يستلزم تصرفًا تعسفيًا، باعتبار أن التعسف يقوم أصلًا على مخالفة روح القانون ومقاصده.
ويرى اتجاه فقهي آخر أن الإنهاء التعسفي هو: «كل انقطاع غير مبرَّر لعقد العمل ينتج عن فعل رب العمل، لا عن إرادته المعلنة» ()، ويبدو هذا التعريف أكثر شمولًا من سابقه، إلا أنّه يُؤخذ عليه كذلك قصرُه حالات الإنهاء التعسفي على أفعال رب العمل وحده، مع أنّ التعسف قد يتحقق أيضًا من جانب العامل في بعض الحالات ().
 وبناءً على ما تقدّم، يمكن اقتراح تعريف أكثر اتساعًا ودقّة للإنهاء التعسفي لعقد العمل، مؤدّاه أنه:
«سلوك يصدر عن رب العمل أو العامل، يتجاوز حدود حسن النيّة والغرض المشروع الذي خُوِّل من أجله حق إنهاء عقد العمل بإرادة منفردة، ويكون الهدف منه أو نتيجته الإضرار بالطرف الآخر».
الفقرة الثانية: معايير الإنهاء التعسفي لعقد العمل
بالرجوع إلى القواعد العامة لنظرية التعسف في استعمال الحق، يتبيّن أن المشرّع قد وضع معايير عامة لتمييز حالات التعسف، وذلك وفقًا لما نصّت عليه المادة 16 من قانون الالتزامات والعقود التي جاء فيها أن استعمال الحق يُعدّ تعسفيًا في الأحوال التالية:
• إذا وقع بقصد الإضرار بالغير؛
• إذا كان الهدف منه الحصول على فائدة غير مشروعة؛
• إذا كانت المصلحة المرجو تحقيقها ضئيلة جدًا مقارنة بالضرر الناشئ عنها.
ويُفهم من هذا النص أنّ الحق يظل مشروعًا ما دام استعماله منسجمًا مع الغاية والوظيفة التي شرّع من أجلها، أما إذا انكشف أنّ الهدف من ممارسته هو الإضرار بالغير أو الخروج عن مقتضيات المشروعية، فإن ذلك يجعله يدخل في دائرة التعسف ().
وعند إسقاط هذه المعايير على علاقة العمل، يتبين أن إنهاء عقد العمل بإرادة منفردة قد يندرج في إحدى ثلاث حالات رئيسية:
الحالة الأولى:
لا يجوز لأيٍّ من طرفي عقد العمل إنهاء العلاقة الشغلية بقصد الإضرار بالآخر، سواء كان هذا القصد صريحًا أو ضمنيًا. ويملك القاضي سلطة تقديرية واسعة في استجلاء نية الطرف المُنهِي للعقد، استنادًا إلى ما يُعرض عليه من قرائن وظروف وملابسات.
الحالة الثانية:
لا يحق لربّ العمل إنهاء العقد لتحقيق مصلحة تتعارض مع أحكام القانون أو الآداب العامة أو النظام العام؛ ومن أمثلة ذلك إنهاء عقد إحدى العاملات بقصد إرغامها على العمل الليلي خلافًا للضوابط القانونية ().
الحالة الثالثة:
يُعدّ ربّ العمل متعسفًا في ممارسة حقه إذا كانت المصلحة التي يرمي إلى تحقيقها ضئيلة الشأن مقارنة بالضرر الذي يلحق بالعامل، مثل نقله إلى وظيفة لا تتناسب مع مؤهلاته، أو تكليفه بعمل غير متفق عليه، أو اتباع أساليب مضايقة متعمدة تدفعه إلى تقديم استقالته.
وبالرجوع إلى مدوّنة الشغل، نجد أنّ المادة 60 تنص على أنّه: «… يُعتبر فصلاً تعسفيًا كل فصل يقع دون أسباب مشروعة، وكذلك الذي يكون سببه خصوصًا آراء العمال السياسية أو الدينية، أو انتسابهم أو عدم انتسابهم لنقابة ما، أو نشاطهم النقابي، أو جنسهم أو سنهم أو عِرقهم أو قوميتهم أو لونهم أو دينهم…».
كما تُضيف المادة 52 من المدونة ذاتها أنّه: «يحق للعامل أن يستقيل بشرط احترام مهلة الإخطار وألا يتعسّف في استعمال حقه…».
ومن خلال تأمّل هذه النصوص، يتبين أنّ الإنهاء التعسفي لعقد العمل، سواء تعلّق بالفصل أو بالاستقالة، يتحقق في عدة حالات، أبرزها:
الحالة الأولى: الفصل لسبب غير مشروع
ويتحقق ذلك عندما يُقدم ربّ العمل على فصل العامل دون سبب مشروع، كالفصل دون احترام إجراءات الإخطار المنصوص عليها في المادة 46 من مدوّنة الشغل، أو الإقالة في غير حالتي القوة القاهرة أو الخطأ الجسيم للعامل، على نحو ما تقرره المادة 47 من قانون الشغل.
الحالة الثانية: الفصل القائم على التمييز
ويتمثل في فصل العامل لأسباب تتصل بالتمييز العرقي أو السياسي أو النقابي أو غيره. وقد نصّ الدستور الموريتاني في مادته الأولى على أنّ: «الجمهورية تضمن لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل أو العرق أو الجنس أو المكانة الاجتماعية…».
وتُكرّس المادة 395 من قانون الشغل هذه الحماية بنصها على أنّه: «يجب أن تضمن الأحكام التنظيمية الصادرة تطبيقًا للمادة السابقة المساواة للجميع في الفرص وفي المعاملة في مجال التشغيل، وتُعارض هذه الأحكام كل تمييز أو تفرقة أو حرمان أو تفضيل يقوم على العنصر أو الأصل القومي أو اللون أو الجنس أو الدين أو الآراء السياسية أو الأصل الاجتماعي».
الحالة الثالثة: الاستقالة التعسفية
وتتحقق عندما يُقدم العامل على فسخ العقد دون احترام إجراءات الإنهاء المنصوص عليها في المادة 46 من مدوّنة الشغل، أو عندما تكون الاستقالة مشوبة برغبة واضحة في الإضرار بربّ العمل.
وانطلاقًا مما تقدّم، يمكن القول إنّ معايير التعسف في إنهاء عقد العمل تتمثل أساسًا في:
• قصد الإضرار بالغير؛
• عدم مشروعية المصلحة أو غياب السبب المشروع؛
• اختلال التناسب بين المصلحة المرجوة والضرر الناجم عنها.
 
المطلب الثاني: آثار الإنهاء التعسفي لعقد العمل
سنتعرض للمسؤولية والإثبات ( فقرة أولى ) قبل الحديث عن تعويض المتضرر من الانهاء التعسفي لعقد العمل ( فقرة ثانية ).
الفقرة الأولى: المسؤولية والإثبات
أولا: المسؤولية
اختلف الفقهاء حول الطبيعة القانونية للمسؤولية المترتبة على الإنهاء التعسفي لعقد العمل، وهل تعد مسؤولية عقدية أم تقصيرية. فقد ذهب اتجاهٌ فقهيٌّ إلى أنّ الإخلال من أحد الطرفين بالتزاماته العقدية، أو تعسّفه في استعمال حقه في ظل وجود رابطة عقدية صحيحة، لا يمكن أن يُرتّب إلا مسؤولية تعاقدية. ويؤكد أنصار هذا الاتجاه أنّ المسؤولية الناشئة عن العقد لا تنحصر في الالتزامات الواردة صراحةً في بنوده، بل تمتد أيضًا إلى الالتزامات الضمنية التي يفرضها القانون أو يقتضيها العرف بحسب طبيعة الالتزام ().
في المقابل، ذهب اتجاهٌ آخر إلى أنّ المسؤولية المترتبة عن الإنهاء التعسفي هي مسؤولية تقصيرية، لأنها ناتجة عن الإخلال بالتزام قانوني عام، هو الالتزام بعدم إلحاق الضرر بالغير. ويستند هذا الاتجاه إلى أنّ الحق، وإن كان مستندًا إلى علاقة تعاقدية صحيحة، فإن الإساءة في استعماله تُعدّ تعسفًا يرتّب مسؤولية تقصيرية لا تقوم لمجرد إنهاء العقد، وإنما بسبب عدم مشروعية فعل الإنهاء وما يشوبه من سوء نية وقصد للإضرار بالغير.
ويُعدّ الدكتور عبد الرزاق السنهوري من أبرز القائلين بأن التعسف في استعمال الحق يرتّب مسؤولية تقصيرية في جميع الأحوال، إذ يقول صراحةً في الوسيط إن: «التعسف يبقى داخل نطاق المسؤولية التقصيرية، ولو كان متصلاً بالتعاقد» ().
وقد سلك أغلب الفقه الفرنسي الاتجاه نفسه، إذ اعتبر أن التعسف في إنهاء عقد إيجار الخدمات غير محدد المدة يرتّب مسؤولية تقصيرية على عاتق من يصدر عنه. كما كرّس القضاء الفرنسي هذا المبدأ، حيث قضت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 11 يونيو 1953 بما يلي ():
" D'une manière générale, la cour de cassation, decide que l'abus du droit engage la responsabilité délictuelle de son auteur."
 «وبوجه عام، تقرر محكمة النقض أنّ التعسف في استعمال الحق يرتّب المسؤولية التقصيرية في مواجهة من يرتكبه.»
وعلى مستوى التشريع الموريتاني، فإن مدوّنة الشغل لم تُبيّن الطبيعة القانونية للمسؤولية المترتبة عن إنهاء عقد العمل تعسفًا، ولم تُحدّد ما إذا كانت عقدية أم تقصيرية. غير أنّ المشرّع تناول مسألةً جوهرية ترتبط بتحمّل صاحب العمل الجديد للمسؤولية بالتضامن مع العامل، متى ثبت أنّ هذا الأخير كان سببًا في الفسخ التعسفي للعقد.
فقد نصّت المادة 63 من مدوّنة الشغل على ما يلي: «إذا فسخ عامل عقد العمل تعسفيًا واشتغل لدى صاحب عمل جديد، يكون هذا الأخير مسؤولًا بالتضامن مع العامل عن الضرر الذي لحق صاحب العمل السابق، إذا ثبت أنه تدخل للتأثير على العامل لترك عمله. ويكون الأمر كذلك عندما يعيّن صاحب العمل الجديد عاملًا يعلم مسبقًا أنه مرتبط بعقد عمل آخر، أو عندما يستمر في تشغيل العامل بعد أن يعلم أنه ما يزال مرتبطًا بعقد مع صاحب عمل آخر…».
وتضيف المادة ذاتها أنّه تنتفي مسؤولية صاحب العمل الجديد في الحالات التالية:
• إذا كان عقد العمل المفسوخ قد انتهى أجله، عندما يكون عقدًا محدد المدة؛
• إذا كان عقد العمل غير محدد المدة، وكانت مهلة الإخطار قد انقضت؛
• أو إذا مرّ أجل خمسة عشر يومًا من تاريخ الفسخ التعسفي للعقد.
ويتضح من خلال هذا النص أن المشرّع – وإن لم يحسم طبيعة المسؤولية من حيث كونها عقدية أو تقصيرية – فإنه ركّز على حماية استقرار علاقات العمل، من خلال تقرير مسؤولية تضامنية على صاحب العمل الجديد كلما كان تدخّله سببًا مباشرًا أو غير مباشر في إنهاء العقد السابق تعسفًا.
 
ثانيا: الإثبات

نص المشرع المحلي والدولي بشكل مباشر وغير مباشر في مواد متفرقة من مدونة الشغل على عبء الإثبات، وبين أن بعضها يقع على عاتق العامل وبعضها يقع على عاتق رب العمل.
وقد نصت المادة رقم 7 من اتفاقية مؤتمر العمل الدولي رقم 158-1988 على أنه لا يُنهى استخدام عامل لأسباب ترتبط بسلوكه أو أدائه قبل أن تتاح له الفرصة للدفاع عن نفسه. ونصت المادة 8 من نفس الاتفاق على أنه يحق لكل عامل يرى أن عمله قد أنهي دون مبرر، أن يطعن في هذا الإنهاء أمام هيئة محايدة (جهة قضائية، محكمة عمالية، لجنة تحكيم)  (). 
ويقع ويقع عبء الإثبات في حالة الفسخ التعسفي على العامل. ويتعين على المحكمة حسب المادة 60 من مدونة الشغل، أو أي جهة تم الطعن أمامها حسب المادة 9 من اتفاقية مؤتمر العمل الدولي، إجراء تحقيق عند الاقتضاء عن أسباب وظروف الفسخ. وذلك لتحديد ما إذا كانت الأسباب كافية لتسريح العامل.
كما نصت المادة 13 من مدونة الشغل على أن فسخ عقد العمل تحت الاختبار بشكل تعسفي يقع عبئه على الطرف الذي ادعى أنه ضحية.
أما في حالة الفصل التعسفي فإن كل فصل يقع دون أسباب شرعية، ويكون سببه خاصة آراء العامل السياسية أو الدينية أو بأي سبب من الأسباب المذكورة في المادة 60 يقع عبء إثباته على صاحب العمل.
 
الفقرة الثانية: الجزاء المترتب على الإنهاء التعسفي لعقد العمل
إنّ الإنهاء التعسفي لعقد العمل قد يرتّب، وفقًا للتشريع الوطني والاتفاقيات الدولية، التزامًا بالتعويض لفائدة الطرف المتضرر. فقد نصّت المادة 10 من اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن إنهاء الاستخدام على أنه إذا خلصت الجهة المختصة إلى أنّ التسريح غير مبرَّر، أو إذا تبيّن أنّ إلغاء قرار التسريح أو إعادة العامل إلى عمله أمر غير ممكن وفقًا للممارسات الوطنية، فإن لها سلطة الأمر بدفع تعويض مناسب أو تقديم أي شكل آخر من المساعدة التي تراها ملائمة.
وبما أنّ المشرّع الموريتاني لم يأخذ إلا بنظام التعويض المالي كبديل عن الأضرار الناتجة عن الفصل، فقد منح للعامل المعرَّض لخطر التسريح – بموجب المادة 9 من الاتفاقية الدولية ذاتها، وكذا المادتين 48 و49 من مدونة الشغل – حقّ الإخطار المسبق، كما أتاح له اختيار يوم معين من الأسبوع للبحث عن عمل جديد من دون اقتطاع من أجره، بشرط إشعار ربّ العمل قبل يوم واحد على الأقل من تاريخ غيابه.
كما نصّت المادة 50 من مدونة الشغل على أنّ الطرف الذي لم تُحترم في مواجهته التزامات الإخطار يُعفى بدوره من مراعاة المهلة المتبقية من فترة الإشعار، دون المساس بحقه في المطالبة بالتعويضات عن الأضرار اللاحقة به بسبب مخالفة تلك الإجراءات.
غير أنّ هذه القواعد تعرف بعض الاستثناءات التي يرد بعضها:
أولًا – بفعل أجهزة الرقابة:
كما هو الشأن في المادة 160 التي تُلزم بإجراء الرقابة الطبية الدورية للشبان الذين لم يبلغوا سن الثامنة عشرة، تحت طائلة فسخ العقد عند عدم امتثال ربّ العمل لهذا الالتزام.
ثانيًا – بفعل ربّ العمل:
وذلك كما نصّت المادة 363 التي تُجيز فصل العامل المشارك في إضراب غير مشروع، مع حرمانه من بدل الإخطار وبدل التعويض وسائر الحقوق المرتبطة بالعمل.
ثالثًا – بفعل العامل:
ومن ذلك ما جاءت به المادة 40 من مدوّنة الشغل التي تخوّل للمرأة الحامل حق فسخ العقد من دون إخطار ومن دون أداء أي تعويض.
وهكذا يتبيّن أن نظام التعويض في حالة الإنهاء التعسفي، وإن كان يشكّل الأصل في التشريع الموريتاني، فإن نطاق تطبيقه يتأثر بجملة من القيود والاستثناءات التي تفرضها متطلبات التنظيم الاجتماعي والاقتصادي وحماية بعض الفئات الخاصة.
 الخاتمة:
وختامًا، فإننا نهيب بمشرّع مدوّنة الشغل – عند أول مراجعة تشريعية مرتقبة – أن يتدخّل لضبط الطبيعة القانونية للمسؤولية المترتبة عن الفسخ التعسفي لعقد العمل، من خلال نصوص صريحة تُنهي الجدل القائم في الفقه والعمل القضائي، وتُحدّد بوضوح الأساس القانوني للتعويض بحسب طبيعة الجهة المتضررة.
وفي هذا السياق، يبدو من الملائم أن يُميّز المشرّع بين حالتين أساسيتين:
1. حالة ما إذا كان المتضرر هو العامل:
ونقترح هنا أن يأخذ القانون بنظام المسؤولية التقصيرية، بالنظر إلى ضعف الإرادة الاقتصادية والاجتماعية للعامل، ولأن إسناد المسؤولية إلى هذا الأساس من شأنه أن يحقق حماية أوسع له، ويُخفف من عبء إثبات عناصر الإخلال العقدي، بما ينسجم مع الطبيعة الحمائية لقانون الشغل.
2. حالة ما إذا كان المتضرر هو رب العمل:
ففي هذه الحالة نرى أن الأجدر هو إعمال المسؤولية العقدية، باعتبار أن العامل – متى كان هو المسؤول عن الفسخ غير المبرر – يظل الطرف الضعيف في العلاقة، ومن ثَمّ يتعيّن أن تُحدَّد مسؤوليته في نطاق الالتزامات العقدية التي قبلها عند إبرام عقد العمل، دون تحميله التزامات أوسع تستند إلى القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية.
إن تبنّي هذا التمييز من شأنه أن يعيد التوازن إلى العلاقة الشغلية عند وقوع الفسخ، ويضمن انسجامًا أكبر بين المبادئ الحمائية لقانون الشغل ومتطلبات الأمن القانوني للأطراف. 
المصادر والمراجع
أولا: النصوص القانونية
- القانون رقم 2004-017الصادر بتاريخ 06 يوليو 2004 المتضمن مدونة الشغل.
- اتفاقية مؤتمر العمل الدولي رقم 158 لسنة 1988.
​ثانيا: الكتب:
- د. أشرف أحمد عبد الوهاب، د. ابراهيم سيد أحمد: عقد العمل في ضوء آراء الفقهاء والتشريعات وأحكام القضاء، دار العدالة للنشر، ط1.
- د. دنيا مبارك: الإنهاء التعسفي لعقد العمل، أطروحة دكتوراه، جامعة عين الشمس، كلية الحقوق.
-د. عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في القانون المدني، الجزء الأول، مصادر الالتزام، دار النهضة العربية.
- د. حماد رأفت: " الوسيط في شرح أحكام قانون العمل"، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة.
- د. عادل عبد الجليل: الإنهاء غير المشروع لعقد لعمل، دراسة مقارنة، منشأة المعارف للنشر، الاسكندرية، 2009.
- د. عبد الله فواز حمدناه: سلطة المحكمة في تقدير التعسف عند إنهاء عقد العمل، رسالة ماجيستير قانون خاص، دراسة مقارنة، 2011.
- د. همام محمود: قانون العمل (عقد العمل الفردي)، دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية، 1997-1998.
 
ثالثا: المقالات القانونية
د. يليان نادر نجيب الفرج: الإنهاء المشروع والإنهاء التعسفي لعقد العمل، مجلة الدراسات القانونية والاقتصادية، العدد 2، المجلد العاشر