مالي: الجهاديون يسيرون على خطى النموذج السوري

أربعاء, 26/11/2025 - 19:56

الراصد : شهدت الأشهر الأخيرة اهتمامًا واسعًا بالزيارات التي قام بها الرئيس السوري المؤقت أحمد الشراع إلى موسكو وواشنطن، بوصفها تتويجًا لتحوّل تدريجي للجماعة الجهادية هيئة تحرير الشام (HTC) من قوة سرية إرهابية إلى فاعل سياسي معترف به دوليًا. هذا التحول لم يغب عن أنظار الجماعات الجهادية الأخرى، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) في الساحل الإفريقي، التي يبدو أنها تسير على خطى مشابهة لما حدث في إدلب السورية، حيث سعت هيئة تحرير الشام  إلى تثبيت وجودها في المجتمع المحلي وفرض نفوذ سياسي بعيدًا عن الإرهاب العشوائي.

مثل هيئة تحرير الشام، بدأ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين JNIM يبتعد تدريجيًا عن الجهاد العالمي لصالح صراع سياسي محلي، مركزًا جهوده على كسب دعم السكان وتعزيز تأثيره بين مختلف الأعراق في مالي. بعد انسحاب القوات الفرنسية عام 2022، شرع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين JNIM في توسيع تحالفاته لتشمل الطوارق في الشمال، الفولان في الجنوب، وصولًا إلى البمبارا، السواد الأعظم في منطقة العاصمة بامكو. ويبرز اختيار بينا ديارا، الملقب بـ "آل بامباري" كمتحدث باسم الجماعة، كإشارة واضحة إلى رغبتهم في تقديم أنفسهم كقوة وطنية جامعة، لا مجرد حركة إثنية محدودة، تمامًا كما فعل  في إدلب مع الشيوخ والقبائل المحلية.

ترافق هذا التحول مع إعادة تعريف الأهداف العملياتية للجماعة. منذ صيف 2025، ركز جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عملياته على الأهداف العسكرية والاقتصادية، مثل القوافل التي تزود العاصمة بالوقود، متجنبًا الهجمات العشوائية على المدنيين أو تدمير التراث الثقافي، خلافًا لما كان عليه الحال مع الجماعات المتطرفة السابقة مثل هذا التوجه الجديد يعكس حرص الجماعة على الظهور كحامي للسكان المحليين من بطش السلطات العسكرية، ومحاولة بناء صورة سياسية مشروعة داخل المجتمع.

فجوة بين القيادة وقواعد الجماعة
غير أن هذا التحول لم يكن سلسًا بالكامل. فقد برزت  حيث أبدى بعض المقاتلين رفضهم التكيف مع استراتيجية القيادة، كما يتضح من حادثة اغتيال الناشطة مريم سيّسي في نوفمبر 2025، التي تعكس صعوبة السيطرة على الانضباط الداخلي وضبط الانزلاقات التي قد تضر بالاستراتيجية السياسية للجماعة. ويظهر هذا التحدي بوضوح العلاقة بين الأهداف السياسية العليا للجماعة وميول بعض المقاتلين المحلية، وهو ما يذكر بما حصل مع  هيئة تحرير الشام في إدلب حين رفضت بعض القواعد الانصياع لتوجيهات القيادة.

نموذج واضح
على الرغم من هذه الصعوبات، يمثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين نموذجًا واضحًا لكيفية تحول الجماعات الجهادية من الإرهاب العالمي إلى الجهاد المحلي الموجه سياسيًا. من خلال التفاعل مع البيئة الاجتماعية المحلية، ومحاولة بناء توافق بين الأعراق المختلفة، يسعى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الى تثبيت وجوده في المشهد السياسي الإقليمي. ومع ذلك، فإن محدودية قوته العسكرية وغياب دعم خارجي قوي، مقارنة بـهيئة تحرير الشام في سوريا يحدّ  قد على السيطرة الشاملة على مالي، ويبرز التحديات التي تواجه الجماعات الجهادية عند محاولتها الانتقال من الإرهاب إلى السياسة المنظمة.

ويوضح هذا التحول كيف يمكن دراسة الجماعات الجهادية في السياق الإقليمي عبر مقاربة استلهام استراتيجيات جماعات مثل هيئة تحرير الشام لتكييف الجهاد مع السياق السياسي والاجتماعي المحلي، ما يجعل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين مثالًا حيًا على التغيرات الكبرى في ديناميكيات الصراع والجهاد في الساحل الإفريقي.

رابط المقال:
https://www.jeuneafrique.com/1743657/politique/au-mali-les-jihadistes-si...