الأزمة الموريتانية المالية...الحرب ليست حلا ....  3/1 .

سبت, 12/03/2022 - 13:02

الراصد: للتطرق لهذه الأزمة وأبعادها ( تشخيصا وحلولا ) لابد من العودة للوراء واستذكار الدروس من الأزمة الموريتانية السنغالية التي انفجرت على إثر مقتل المئات من المواطنين وترحيل الآلاف مع نهب ممتلكاتهم. 
سنة 1990 سيكتشف نظام ولد الطايع والشعب الموريتاني بأن البلد في ورطة كبيرة ....
الجارة السنغال تدق طبول الحرب على البلد وهي في موقف قوة ، فجيشها أكثر عددا وأحسن عدة من الجيش الموريتاني  الذي بدأ حينها مناوشات مع طرف ثالث يطلق على نفسه " قوات تحرير الضفة " وهي ميليشيات تم تسليحها وتعبر النهر ليلا لغارات خاطفة ، والأدهى أن الجارة كانت أقوى وأكثر حضورا دبلوماسيا وفي الإعلام الدولي ( الفرنسي خصوصا ) ، مما جعل دولا كفرنسا والمغرب ودولا عربية وافريقية تتخندق معها ولو بدرجات متفاوتة .
وجدت  الحكومة الموريتانية إذا نفسها في ورطة والبلد ، فحتى قمة الجامعة العربية بالمغرب لم تولي الأمر أهمية ، والزعيم العربي الوحيد الذي أخذ الأمر بجدية وأدرك أن البلد في مهب الريح كان صدام حسين ( رحمه الله ) والقصة مشهورة بتفاصيلها ، فتكفل ( فعلا لا قولا ) بحل جانب المشكل المادي ، فمنح للجيش الموريتاني من العتاد أكثر مما كان يأمله ولد الطايع وما كانت تتوقعه دول الجوار، وإن كان عتاد العراق أمال الكفة لصالح الجيش الموريتاني فقد برزت مشكلة العدد التي لا يمكن أن يكون حلها إلا داخليا وداخليا فقط .... وهنا سيظهر في الصورة ضابط موريتاني من خيرة الضباط ليحل الشق الثاني من المشكل ... وللابد. 
العقيد المختار ولد محمد محمود ولد جدو ( رحمه الله )( الصورة ) ، سيتم تعيينه مع بداية الأزمة على CNEC المركز الوطني لتدريب الصاعقة الذي اختيرت لمكانه قرية " فم لگليته " ، وعلى مدى سنوات سيقوم المركز بضباطه المختارين بعناية ، بتدريب آلاف الجنود الذين تم اكتتابهم من كافة الولايات عبر " حملة اكتتاب " قادها ضباط بالتعاون مع السلطات المدنية ..... ومع منتصف التسعينيات كان لموريتانيا جيش على المستوى عدة وعددا ، خولها حتى الانخراط في تحالفات إقليمية ك G5 وحتى من المشاركة في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام .... 
ولا أنكر في هذا المقام - ولا غيري يمكنه ذلك - الدور الكبير النوعي الذي قام به ضباط وطنيون كثر في تلك المرحلة من إعادة هيكلة وتطوير وتنظيم الجيش الموريتاني ليكون على مستوى التحدي والمخاطر التي يواجهها البلد آنذاك، ولو أن أغلبيتهم الساحقة غادرت الجيش بمنتصف التسعينيات حتى بداية الألفية الثانية ومن آخرهم ضباط " فرسان التغيير " لعدم رضاهم عن وضع البلد وطريقة حكمه .

إلتحقت بالجيش الوطني سنة 1990 وطبول الحرب بين البلد والجارة السنغال تقرع كما أسلفت ، ولم يكن مرتب ملازم في ذلك الوقت بالمرغب في الجيش فقد كان في حدود 16 ألف أوقية قديمة، وقد درسني بالمدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة لسنتين كلا من الرئيس حننا صالح ( مادة القتال ) والرائد محمد شيخنا ( مادة التبوغرافيا ) وكانا قدوة بالنسبة لنا كطلاب ضباط، وعلى مدى 4 سنوات سيلتحق بالمدرسة عشرات الشباب منهم من أنهى دراسته الجامعية أو كاد، ومنهم من كان يدرس في الخارج مما شكل نواة " نخبة عسكرية مثقفة " صار نظام ولد الطائع يتوجس في نفسه منها خيفة وعمل على التخلص منها ب " سلمية " خلافا لما حصل مع نخب مماثلة خلال الثمانينيات ( البعثيين،الناصريين، الإسلاميين،  الزنوج ) واستبدالهم بأبناء ضباط النظام وأعيان جناحه السياسي في ما يشبه تحصينا للنظام من انقلاب وضمان استمراره ( التوريث،  صراع الأجيال / نشرت عن الموضوع قبل فترة ) .
وبعد التخرج من المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة بأطار تم تحويلي وعدد من زملائي لإدارات قيادة الأركان ومن ثم لمركز فم لگليته لتدريب مئات الجنود المكتتبين وهو ما قمنا به على أكمل وجه على مدى سنوات .
لم تحصل حرب بين موريتانيا والسنغال لعدة أسباب أهمها :

1 - الردع الموريتاني الذي لم تكن تمتلكه بداية الأزمة ( عدة وعتاد للجيش ) الذي جعل النخبة السياسية والعسكرية تراجع حساباتها .
2 - السنغال بلد تحكمه نخبة سياسية مدنية لها القرار الأول والأخير في كل الأمور بما فيها قرار الحرب أو السلم، والمدني يزن مكاسب الحرب وخسائرها على الإقتصاد والمجتمع والأمن والاستقرار والإنفاق العام، عكس العسكري الذي لا يرى في الحرب أكثر من جوانبها العسكرية .
3 - السنغال جيشها جمهوري لا يمارس السياسة ولا يبحث ضباطه عن امتيازات أو ما شابه ، ويدينون بالولاء لوطنهم وهم طوع النخبة السياسية المدنية وليس العكس .

#يتبع
الأزمة الموريتانية السنغالية شيء،  والأزمة المالية شيء آخر مختلف تماما.