الراصد: من طالع كتاب الفيلسوف
الكندي (أ ن دونو )
(أ ن دونو )Mediocratie
أو -نظام التفاهة-
يفهم الأسباب التي جعلت التافهين يمسكون بمواقع القرار في العالم، سياسياً، واقتصادياً واجتماعيًا
يؤكد الكاتب ضمن صفحات كتابه أن التافهين قد حسموا المعركة من دون اجتياح الباستيل (إشارة إلى الثورة الفرنسية) و حريق الرايخشتاغ (إشارة إلى صعود هتلر في ألمانيا) و رصاصة واحدة من معركة «الفجر» (إشارة إلى المعركة الأسطورية بين بونتا وبراكمار)
يعطي الكاتب نصيحة هامة لمن أراد مسايرة الركب حيث يقول : "
كثرة المطالعة وملازمة الكتب تجعلك فخوراً و روحانياً. فهذا يظهرك متكبراً، تقدم أي فكرة جيدة تكون عرضة للنقد. لا تحمل نظرة ثاقبة، وسع مقلتيك، أرخ شفتيك، فكر بميوعة وكن كذلك. عليك أن تكون قابلاً للتعليب. لقد تغير الزمن. فالتافهون قد أمسكوا بالسلطة!"
حين أطفأ الجيل المؤسس لموريتانيا نار المستعمر لم يعلموا أن تحت الرماد نارًا تكاد تميز من الغيظ كلما خبت أشعلتها غرائز الحقد والطمع وأذكت جذوتها تيارات الأطلسي الباردة !!
ولم تكن حرب التعريب صراع إدارات بل كانت حرب إرادات وفرق وملل
في خضم تلك التجاذبات تشكلت نخب سياسية وحدها الأب المؤسس في حزب سياسي لم تكن المادة والتمظهر سمة بارزة في ثقافة قادته
بعد إنقلاب ثمانية وسبعين تاهت النخب السياسية بين الولاء للمبادئ ومسايرة الواقع
ولم يكن لهيكلة تلك النخب في بداية الثمانيات ومحاولة تهذيبها على طريقة العسكري أثر إيجابي يعيد لها بريقها المسلوب
عاشت البلاد محطات كانت بمثابة الحاضنة السياسية والإجتماعية والثقافية الكفيلة بهيجان وتطاير حمم البركان المشتعل منذ فترة
ولم يكن نور التعددية والديمقراطية في بداية التسعينيات إلا مجرد أخدود إلتهمت نيرانه الملتهبة آمال وإيمان المواطنين الطامعين في التصحيح وهم قعود ينظرون
من الغريب أن النخب السياسية الحاكمة وهي مزيج من كافة شرائح المجتمع لم تستعن في خطاباتها بشموخ وفصاحة اللسان الديماني ولم تتخذ من سيرة أهل أحمد العيدة نبراسا لعدلها ولم تستنجد بزهد سليمان ولا سخاء شماد سبيلًا لتعاملها مع المال العام
ولم تقتبس من علم الحاج ول فحف جذوة تنير دروبها
والمؤسف في كل ذلك أنها اختزلت معاني الجهاد والتضحية في لون أحمر يضاف إلى العلم الوطني.
ولنا أن نتساءل لماذا يتواصل المد التافهي دون توقف !!
نعيد ذلك إلى عوامل عدة :
في السوسيولوجيا والإقتصاد، كما في السياسة والثقافة
-أولًاتطور مفهوم العمل في مجتمعنا حيث أصبحت المهنة وظيفة وصار الممتهن يتعامل معها كوسيلة للعيش والبقاء ولنا أن نلاحظ كيف ضاع الفن الموريتاني الأصيل بين " متطفلين "تعالت صيحاتهم وهم يتساءلون عن جمهور ومتابعي ومؤيدي التفاهة " هومة وينهومة ؟ گالولكم أنهم أراعيهم " بداية عصر تفاهة الفن الأصيل والغريب في الأمر أنهم تربوا في بيئة متدينة تحارب المزمار !!
والأغرب من ذلك أن الولاية والصلاح " لحجاب " أصبح هو الآخر مهنة ووسيلة عيش !!
-ثانيا من حيث السياسية بدأت سيطرة التفاهة أو جذور حكم التفاهة حين وصل التافهون إلى الحكم استبدلوا السياسة بمفهوم «الحكامة»واستبدلوا الإرادة الشعبية بمفهوم «الإنتماء الحزبي »والمواطن بمفهوم «المنتسب »
في النهاية أصبح الشأن العام يدار بتقنية " الشراكة " لامنظومة قيم ومثل ومبادئ ومفاهيم عليا
وصارت الدولة مجرد شركة خاصة صارت المصلحة العامة مفهوماً مغلوطاً لمجموع المصالح الخاصة للأفراد. وصار السياسي تلك الصورة السخيفة لمجرد الناشط في اللوبي لمصلحة «زمرته»
من هذين المنطلقين، تنميط العمل وتسليعه وتشييئه، وتفريغ السياسة والشأن العام، صارت التفاهة نظاماً كاملا ً على مستوى الوطن وصارت قاعدة النجاح فيه أن «تلعب اللعبة»
-ثالثًا من حيث الثقافة :إن تجسيد نظام التفاهة، جعل من الخبير هو ممثل السلطة المستعد لبيع عقله لها عكس المثقف الذي يحمل ألإلتزام تجاه قيم ومثل تربى على أهمية الحفاظ عليها
"حتى غدت العقول تتناسب مع حاجات الشركات ولم يعد للعقل النقدي ولا لحسه مكان "
وليس الإعلام بعيدا عن هذ التهافت ، فأصبحت وظيفته هي أن يبيع للمعلن، الجزء المتوفر من عقول مشاهديه المستهلكين. والمهم أن الإنسان أصبح للإ كتفاء، أو حتى لإرضاء حاجات «السوق».
كيف يمكن مواجهة هذ الحكم التافه ؟!
إن مايسمى بالأغلبية الحاكمة في بلادنا وضرورة الإنتماء لها أعطت خدمة لنظام التافهين. جعلت المجتمع تابعا لإرادة مجموعات، أو حتى لأشخاص، كأنهم يملكون عناية فوقية. بدل أن يكون ذلك الإنتماء فرصة للمجتمع ليساهم في بناء وطنه وصناعة القرارات الكفيلة بذلك ، حتى لا يبقى دائما ضحية ثورات تخديرية غرضها تركيز حكم التافهين
المطلوب أن:
-نقاوم التجربة والإغراء وكل ما لا يرفعنا إلى الأعلى
-وأن لا نترك لغة الإدارة الفارغة تقودنا
-وأن نعيد تصحيح المفاهيم مثل المواطنة، الشعب، النزاع، الجدال، الحقوق، المجتمع المدني ، الخدمة العامة ،والقطاع العام والثروة، والوحدة الوطنية
-وأن نعيد التلازم بين أن نفكر وأن نعمل
- وأخيرا أن نوقن أننا للأسف أصبحنا مصانع لتدوير نفايات الأنظمة المتعاقبة كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها
"أطمع في النظام الحالي أن يساعدنا في الخلاص وليس على سنة الخلاص الوطني وأن يرحم ضعفنا قبل أن يرحم صحبته وأهله وأصهاره وأن يمسك عهد الله وعهدنا " وأكاد أجزم أن لاطمع في غزواني لحد الساعة إن لم يرجع من العُمرة تائبا خائفًا إن لم يكن من ذنوبه فمن ذنوب بِطانته
وأن يدرك أن المحكمة السامية سُنة قائمة إن فشلت في ملف سلفه فلن تفشل في ملفاته وملفات فرقته الهزيلة