الراصد: روى الإمام ابن الجوزي في كتابه "المنتظم قال ؛ " كان إبراهيم النخعي أعورَ العين، وكان تلميذه سليمان بن مهران- أعمشَ، وفي يوم سارا في إحدى طرقات الكوفة يريدان المسجد ، وبينما هما يسيران في الطريق؛ قال النخعي : يا سليمان هل لك أن تأخذ طريقا وآخذ آخرَ ؟ فإني أخشى إن مررنا سويا بسفهائها أن يقولوا : أعور يقود أعمشَ!! فيغتابوننا ويأثمون.
فقال الأعمش: يا أبا عمران ؛ وما عليك أن نؤجر ويأثمون؟! فقال إبراهيم النخعي : يا سبحان الله! بل" نَسلمُ ويَسلمون خير من أن نؤجر ويأثمون"
يقول ابن خلدون إن الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها .
تُرى ما العجب في أن تسوء أخلاقنا ونحن مابين خائف وجائع وظمآن ومريض ومجنون ومُغترب وحائر .....!!
حين قدم بوبالي بن سيدأمحمد على الشيخ سيدالمختار الكنتي أوكل إليه شؤون إبله وحرم عليه التدخين وسلبه " أشروطو" وتلك سياسة الشيخ لتهذيب وتزكية نفوس بعض مريديه وكان في الإبل جمل " مركوب " لايقترب منه أحد هيبة لمالكته زوجة الشيخ لالة عيشة رضي الله عنهم وأرضاهم .
كان بوبالي يكابد قساوة المهنة وحرارة الطقس في صحاري أزواد زيادة على" آتري أمنيجة" حتى قرر فجأة أن يخرج عن النسق المألوف، ويمتطي جمل زوجة الشيخ ويتوجه مسرعا إلى " أَلْحُلَٓة "
حين أقترب منها تفاجأ الجميع بالمشهد الغريب وفزعوا نحو خيمة الشيخ والتي كانت وجهة " لُبْجاوي"
أناخ بوبالي راحلته ودلف إلى خيمة شيخه ووقف بين يديه قائلا : " أعطيني أشروطي وأدعيلي بالخزو" إبتسم الشيخ وناوله " أشروطو" وقال له لقد نلت مبتغاك،وأتممت ماكان ينقصك من الولاية.
كان بوبالي بعدها مضرب الأمثال في الصلاح والتقى والكرم والمعرفة .
هذا من حيث عوالم التصوف، فماذا عن السياسة والإجتماع والفلسفة ؟؟
يعتبر - إنتزنسبيرغر-أن أهم الآليات في صناعة الوعي والتي يتم من خلالها استنساخ العقل البشري كمنتج اجتماعي هي مؤسسات وسائل الإعلام والتعليم.
لكنها حسب رأيه كثيرا ماتحيد عن واجباتها لتكرس نظام هيمنة الإنسان على الإنسان.
إن الكيفية المناسبة لخلق بيئة واعية والتأسيس لمجتمع معرفي، كانت مرتبطة بمسألة صناعة الوعي ومحل جدل تاريخي، تجسدت في المثالية والمادية، فماركس يقول: «ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، إنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم).
وقد بدأ ماركس بدراسة المجتمع الإنساني من الواقع المادي الذي يعيش فيه. إذ هو حسب رأيه الذي يحدد واقعه الحي وليست الأفكار التي يؤمن بها، وعلى الرغم من ذلك هناك تفاعل معقد بين الواقع المادي والأيديولوجيات التي تبادر لشرح ذلك الواقع.
أما هيجل فيرى أن الوعي هو ما يصنع البيئة المثقفة، والواقع المثالي، وهذا لدى هيجل، هو شرط تحصيل الوعي لدى الأفراد؛ وقد قال إنجلز معبراً عن الرأي الأول لماركس:»إن نمط تفكيرنا يختلف حسب وجودنا في قصر أوفي كوخ ).
إن الإستثمار في الأنشطة ذات الصلة بالمعرفة، وتطبيق معايير الجودة بغرض الارتقاء بتميز العمل ، والمنتوج المعرفي بصفة عامة يجب أن يكون شغل الأنظمة الحاكمة الشاغل ، من أجل تعزيز اهتمام المواطن بالمعرفة ومصادرها، وزيادة الوعي بقيمة العمل الجماعي وسيادة القانون وإشاعة روح الفريق .
لأن الوعي حالة عقلية تتيح للفرد إدراك الحقائق المحيطة به عن طريق الاتصال والتفاعل داخل النسق البيئي،ولعلنا نتساءل والحالة هذه مع من يُراد لنا أن نتفاعل !!
وبمن يُراد لنا أن نقتدي !!
وأي الرموز يُراد لنا أن نحترم !!
رئيس سابق متهم بالفساد والنهب والسرقة و.......... !!
أم رئيس حالي عاجز لحد الساعة في إثبات التميز والإختلاف !! أم نحترم
مُوالين ، على مذهب الخليلية والزيدنة و............!!
أم نحترم معارضين على مذهب البيرامية والمنصورية ..................!!
أم ننحتُ من جبال المفسدين والمزمرين تماثيل نظل على عبادتها عاكفين حتى ينتهي (...) من صناعة سفينته لينجوا ومن معه ونكون من المغرقين !!
إن الوعي الزائف الذي يدفعنا إليه الوزير المُريد تقربًا من شيخه الرئيس العسكري والذي يقلب الحقائق ويجسد الإيمان التام بها ويوصلنا إلى مرحلة التقديس والخنوع الأعمى لبعض الرموز الدينية أو السياسية أو الثقافية لهو الجريمة التي يستحق العقوبة عليها من المجتمع إن تعذرت على الشيخ الرئيس .
يرى "فرويد" أنَّ الانسان يعيش في الأوهام لأنها تهوِّن عليه ألم الحياة الواقعية وحينما يصحو من تلك الحالة الشبه الحالمة يستطيع أن يعي نفسه ويستشعر قوته وطاقته ويبدّل الواقع ،و ذكر إريك فروم في كتابه -ما وراء الأوهام- أن الوعي الزائف يعطي صورة مشوَّهة للواقع ويضعف الإنسان، أما الاحتكاك والاتصال بالواقع وتكوين صورة صحيحة عنه يقوِّيه، وأن أهم الأسلحة هي كشف الحقيقة وراء الأوهام والإيدلوجيات التي تحجبها.
- سيدي الرئيس نعلم أننا بحاجة إلى الأدب فكن لنا القدوة ،ولاتجعل حُجابك عنا هم أولي الزيغ والتملق والنفاق .
- ونعلم أن من يسعى لزعزعة الأمن وإشاعة الفوضى وبث الكراهية مجرم فلا تتركه يُصنع أويُمنع.
- لكن هل تعلم سيدي الرئيس أن الإنسان عبد الإحسان وأن الفقر يُذهب المروءة وأن الأَولى
الدفع بالتي هي أحسن ..... وأنتم أهلٌ للإحسان والتأسي بالمحسنين .
أتذكر سيدي الرئيس مقولة حفظتها وأنا صغير من حكايات الجدات مفادها أن جدي صمبارة رحمة الله عليه وهو شيخ تقليدي معروف بالحكمة والحلم والشجاعة والأناة ،
كان يقول لأحد الفرنسيين الناصحين له بزجر أو عقاب من يرفع صوته بحضرته ؛ "من لا يصقل ثوبه أو يخيطه أو يرقعه عند الحاجة فسوءته في خطر " .
وقد قال عبدالملك بن مروان حين ولي الخلافة : والله ما هو بميراثٍ ادَّعيناه، ولا أثرٍ وعيناه، ولكني أخبرعن نفسي خصالًا سَمَتْ بها نفسي إلى الموضع الذي أنا فيه : مالاحيت ذا ودٍّ ولا ذا قرابة قط، ولا شمتُّ بمصيبة عدوٍ قط، ولا أعرضت عن محدثٍ حتى ينتهي، ولا قصدت كبيرةً من محارم لله متلذذًا بها وواثبًا عليها، وكنت من قريش في بيتها ومن بيتها في وسطه، فكنت آمل أن يرفع الله مني وقد فعل .
رحم الله السلف وبارك في الخلف