التحرش الجنسي في جامعة نواكشوط (تحقيق)

سبت, 13/04/2019 - 17:34

مصطفى العالم

تعتبر ظاهرة التحرش الجنسي بالطالبات من قبل الأساتذة والمدرسين في مؤسسات التعليم العالي من التابوهات المغلقة، و القضايا المسكوت عنها، و لكنه نظرا لحساسيتها فقد حاولت تقدمي ولوج سراديب هذه القضية المعتمة، والتقت ببعض الضحايا الذين قبلوا بعد لأي وتلكؤ، الحديث إليها بعيداً عن كاميرا التصوير، وميكرفون الصوت، وعادت بالقصص التالية:

خلال رحلتنا المعقدة، التي تشبه التجول في شبكة أنفاق مظلمة، بحثا عن بعض ضحايا هذه الظاهرة التقينا بالطالبة (د.ع) التي اشترطت عدم الكشف عن اسمها، و هي تبلغ من العمر 25 سنة، فروت لنا تجربتها الخاصة مع هذه القضية حيث قالت : دخلت الجامعة سنة 2016 ودرست في كلية القانون وفي السنة الأولى كنت أسمع بتلك القصص لكن لم أكن أصدقها ولم أكن أولي لها اهتماماً، لكن وبعد أن تجاوزت للسنة الثانية وبدأت الدراسة وحضور الدروس التطبيقية TD بدأت ألاحظ بعض محاولات التحرش، وكانت تحصل من قبل بعض الأساتذة المدربين الذين يعملون بنظام التعويض مع الكلية والذين يتولون تقديم الدروس التطبيقية للتلاميذ في الفصول.

وبدأت محاولات التحرش معي حيث طلب مني أحدهم (لا أرغب في ذكر اسمه) إعطاءه رقم هاتفي للتواصل وتنظيم مواعيد غرامية مقابل منحي درجات عليا في المواد التطبيقية.
وتكررت محاولات هذا الشخص معي، غير أنني لم أرضخ لمحاولاته حتى انتهى الفصل الدراسي وانتهت دراستي لتلك المادة.

أما الطالبة س.م التي تدرس في كلية الآداب هي الأخرى فقد روت لنا بتحفظ تجربتها مع التحرش، إذ تقول إنها عانت خلال دراستها في السنوات 2017 – 2018 من محاولات أحد الأساتذة الكبار في الكلية والذي يتولى الإشراف على البحوث في الإدارة وذلك بعد أن قابلته لتصحيح خطإ في بحث كانت تعمل عليه، فطلب منها رقم هاتفها للتواصل ولتنظيم لقاءات في أوقات أخرى، مدعيا أن ذلك أفضل لكي يتمكن من شرح الأمور في مكان آخر بعيداً عن صخب الجامعة والانشغالات في المكتب، وتضيف بأن هذا الأستاذ نافذ جدا في الكلية ولايمكن للإدارة أن تمارس عليه أية ضغوط، وأنها روت القصة لزميلاتها لاحقاً لكنهن لم يصدقنها، ليتكرر الأمر معهن في حالات وظروف أخرى.

الطالبة (ن. أ) عانت طوال دراستها في الجامعة من 2010 حتى 2014 من مغازلة عميد كلية في جامعة نواكشوط لها، رغم فارق السن الكبير بينهما و رغم أنها صدته مراراً و ذكرته أنها سيدة محصن، غير أنه استمر يبثها لواعج غرامه، و يقضي أوقاتا طويلة في انتظارها لدى مرءاب السيارات متصلبا أمام سيارتها ليحدثها عن تعلقه الشديد بها، و يصرّ على ضرورة مقابلتها خارج الجامعة، غير أنها بالغت في رفضها له وصدودها عنه. و بعد تخرجها و حصولها على أعلى معدل في كليتها، قررت التسجيل للماستر، فتمت عرقلتها بحجة أنها تأخرت في دراستها عاماً بسبب الحمل، و فيما كانت تحاول حل مشكلة التسجيل، اتصل بها العميد المتحرش ليخبرها أنه المسؤول عن تسجيلها في “الماستر” غير أنه لن يقوم بذلك إلا بعد موعد غرامي.. واجهت (ن. أ) العميد المتحرش بعبارات لاذعة، و قررت من حينها أن تدفن حلمها في مواصلة الدراسة في رمال الإحباط، ما دام ثمنها أن تمنح جسدها و شرفها لذىب بشري، حسب تعبيرها.. تضيف (ن) بإحباط “لقد قتل هذا العميد كل لهفتي للدراسة، و سد في وجهي باب المستقبل، فقط ليحقق نزوة دنيئة.. أشكوه لله”.

و هكذا كان شأن الطالبة (ف. ن) التي كانت متميزة في دراستها الجامعية، حتى طلب منها أحد الأساتذة بعد اختبار “الشفهي” أن تزوده برقم هاتقها فرفضت.. فكرر عليها الطلب، بلهجة متوعدة، و أخبرها تصريحاً لا تلويحاً أنها لن تتجاوز للسنة الموالية ما لم تمنحه جسدها… غير أنها أكدت له رفضها بحزم، ثم تحايلت بعد ذلك للاتصال به و تسجيل وعيده لها من خلال هاتفها، و تقديم شكوى منه لدى رئاسة الجامعة، التي سعت لحل المسئلة بما لا يعاقب الاستاذ و لكنه لا يمنحه أيضا فرصة معاقبتها على رفضها طلبه الجنسي.. تقول (ف): “تصوروا أن رئاسة الجامعة تجد أمامها دليلا ماديا على تحرش أستاذ بطالبة و تهديده لها، فلا تقوم بأكثر من طمأنتها على التجاوز للسنة الموالية”.

تقول لنا إحدى الطالبات إن بعضهن يكملن دراستهن الجامعة دون أن يبذلن أي جهد دراسي، غير تقديم أجسادهن للأساتذة مقابل نقاط تخولهن التجاوز.. و تؤكد أنه أمر شائع بشكل لافت، و قد أصبح مألوفا بحيث لم يعد يستنكره أحد.

ضحايا كثر و تكتم شديد

تقول الطالبات اللواتي قبلن التحدث إلينا إنهن يعرفن الكثير من الضحايا، لكنهن لايرغبن في الحديث عن تجاربهن والكشف عن مالاقينه، ولم تفلح محاولاتنا لاقناع من لم يتقبلن التحدث إلينا رغم تبسيط الموضوع واعطاء الضمانات اللازمة بعدم الكشف عن الأسماء ! فيما اعتذرت لنا طالبات أخريات عن الحديث بأعذار مؤقتة (انتظار انتهاء الامتحانات) و هو فهمنا منها أنهن لايرغبن في الحديث البتة.

لا أحد من الإدارة يستمع لشكوى الطالبات من التحرش

تقول الطالبة س.م بأنها عندما حاولت تقديم شكاية للإدارة من الأستاذ المشرف على البحوث والذي حاول التحرش بها لم تجد آذاناً صاغية رغم محاولاتها لقاء العميد، وإن هذا الأستاذ النافذ والمسؤول عن قيم البحوث بإدارة الكلية لم يعد يتعاون معها لاحقاً عندما تكون لها حاجة في قسم البحوث، وتضيف بأن عدة صديقات لها حدث الأمر معهن ، وإن بعضهن رضخ مكرهاً لذلك.

رأي منظمات المجتمع المدني

تقدمي زارت مقر منظمة النساء معيلات الأسر والتي تنشط في مجال مساعدة النساء المطلقات وضحايا الاغتصاب على الحصول على العدالة، و التقت رئيستها آمنة منت المختار وطرحت عليها أسئلة عن عدد الحالات التي يمكن أن تكون قد وصلت المنظمة، واستفسرتها عن دور المنظمة في مساعدة الضحايا من الطالبات على الحصول على حقوقهن، ومعاقبة مرتكبي هذه الجريممة فقالت إنهم في المنظمة وصلتهم سنة 2017 خمس حالات لطالبات تعرضن للتحرش والابتزاز من قبل أساتذة جامعيين ،وأن الضحايا روين لها قصصهن مع التحرش وتهديد بعض الأساتذة لهن بالاقصاء ومنح درجات متدنّية في المواد إن هنّ لم يستجبن لرغبات المتحرشين.

وتضيف منت المخطار التي قالت إنهم في المنظمة لايملكون قاعدة بيانات لعدد الضحايا و لكن من أصعب الحالات التي وصلهم في المنظمة – حسب قولها – حالتان تعرضت الضحيتان فيها لما يشبه الاغتصاب، من قبل أساتذة كانوا يتولون تدريسهما ، وما فاقم من المعاناة أن ذلك نتج عن ظهور حمل على الضحيتيْنِ ، مما أدى إلى تخليهما بشكل نهائي عن متابعة دراستهما الجامعية، والجلوس في المنزل ومواجهة المصير الصعب !

وتقول منت المخطار التي تكتمت على أسماء الضحايا بطلب منهن إنهم في المنظمة حاولوا مساعدة الضحيتين في الحصول على حقوقهن عبر تقديم شكاية من المتورطين في التحرش ومتابعة قضاياهن لدى المحاكم، لكننا فشلنا في ذلك، إذ لمسنا تخوفاً منهن ورغبة في التكتم على القضية من قبل الأهالي وتسويتها بعيداً عن صخب المحاكم.

أساليب تزاوِجُ بين الاغراء والابتزاز

تقول رئيسة جمعية معيلات الأسر إن الطالبات قُلن لها إن الاساتذة الذين يقومون بالتحرش بالطالبات يعتمدون طريقة تزاوج بين الابتزاز والاغراء بغية الوصول لهدفهم وهو الحصول على خدمات جنسية من الطالبات.

فمن جهة يقوم بعض الأساتذة بإغراء الطالبات عن طريق إعطائهن وعوداً بمنح درجات ممتازة في المواد الدراسية، حتى يتخرجن ويحصلن على شهاداتهن بتفوق، مقابل قبولهن بمواعدتهم، وتلبيتهن لرغباتهم الجنسية.

بينما يفضل آخرون طريقة الابتزاز وذلك بتهديد الطالبات بالرسوب في الامتحانات والاختبارات حال رفضهن تلبية طلبهم وفي تلك الحالة تكون الطالبات بين خياريْن أحلاهما مُرٌّ : إما القبول مُكرهات بتنفيذ ماطلب منهن طوعاً، أو مواجعة تبعات الرفض، كرهاً.

عوامل تساهم مجتمعة في تفشي الظاهرة

وترى آمنة منت المخطار بأن هناك عوامل اجتماعية وجغرافية وإدارية، متعددة تساهم في تفشي الظاهرة ، وفي هذا الإطار ترى بأن غياب دور و وعي الأسرة بضرور ممارسة الرقابة والتوجيه وتوعية الطالبات حديثات السن بمالهن وماعليهن في هذه المرحلة الهامة من حياتهن يشكل عاملاً أساسيا أحدث فراغاً في وعي هؤلاء بالمطبات والمخاطر التي قد تواجههن في مراحل الدراسة.

كما أن تحويل مقر جامعة نواكشوط بكلياتها المتعددة إلى خارج نواكشوط شكل هو الآخر بيئة خصبة، وهيأ الظروف وسهّل على المتربصين بالطالبات ممارسة هوايتهم بعيداً عن أعين الرقابة والمتابعة.

إدارة مؤسسات التعليم العالي تتحمل الجانب الأكبر من المسؤلية

وترى منة منت المخطار كناشطة في المجتمع المدني بأن تقصير إدارة مؤسسات التعليم العالي بشكل عام في فرض نمط محدد من الرقابة على الأساتذة والطلاب بشكل عام، وغياب قانون محدد يعاقب كل المتورطين في هذه الجرائم، شكل سداً منيعاً تمترس حوله المسؤولون عن ارتكاب مثل هذه الأفعال، كما أن تساهل الجهات الإدارية في تلك المؤسسات مع الحالات القليلة التي تبلغ الطالبات عنها، شكل هو الآخر حافزاً لدى هؤلاء لمواصلة خرق القانون والاعتداء على عرض الطالبات.

تعتيم الأهالي ، وغياب دور مؤسسات الإعلام

أرجعت منت المخطار عدم التعامل الجدي مع هذه الظاهرة ومكافحتها إلى رغبة الضحايا وأهاليهم في التعتيم على الحالات التي تحدث، وذلك تجنباً للفضيحة، وللآثار النفسية المترتبة عن الكشف عن مثل هذه القضايا، إضافة إلى غياب دور وسائل الاعلام بشتى أنواعها في ممارسة التوعية والكشف عن الظاهرة، وإعطائها الزخم المناسب، لإحداث ضغط على الجهات المعنية في الدولة للتعامل بصرامة مع تلك الجرائم حسب تعبيرها.

غياب رد من الجامعة

زرنا مقر كلية العلوم القانونية والاقتصادية وذلك لمقابلة عميد الكلية بغية استفساره عن ما تدعي الطالبات تعرضهن له من محاولات التحرش والابتزاز من قبل الأساتذة الذين يدرسونهن ، لكننا لم نوفق في لقاء العميد الذي لم يكن موجوداً وقت مجيئنا.

ولا يبدو أن ظاهرة التحرش الجنسي في الوسط الجامعي تحظى بالاهتمام اللازم من قبل الجهات التي من المفترض أن تحارب هذه الظاهرة بدءً بالمحيط الأسري للطالبات والذي يرضخ لضغوط المجتمع، ويعتم على الجريمة حال وقوعها و يمتنع عن تقديم شكاية للجهات المعنية من مرتكبي هذه الحريمة بحق الطالبات، مروراً بالجهات الإدارية في مؤسسات التعليم العالي والتي يبدو أنها تتقاعس عن الاطلاع بدورها في فرض النظام والقانون في الوسط الجامعي، وصولاً إلى الجهات التنفيذية والقصائية التي تأخذ عليها منظمات المجتمع المدني التراخي في الدفع نحو إنفاذ العدالة في حق المتهمين بارتكاب هكذا جرائم.

 

"الراصد ع/ تقدمي"

آمنة بنت المختار