مرة أخرى الأخطاء لا تعالج بأخطاء

أحد, 27/01/2019 - 07:52

في خطوة مفاجئة شرعت الحكومة هذه الأيام في فرض ضرائب بعشرات الملايين على مؤسسات التعليم الخاص في خطوة قد تفهم على أنها دعم للمدرسة الجمهورية ودعم للمساواة في حظوظ التعليم بين أبناء الأكثر حظا والأقل حظا في المجتمع.

وأيا تكن مشروعية هذا القرار ووجاهته إلا أن تطبيقه في هذا التوقيت بالذات أي في منتصف السنة الدراسية هو أمر يثير الكثير من الأسئلة عن الحكمة من اتخاذه بهذه الطريقة فماذا لو أعلنت بعض المؤسسات التي أصبحت ملاذا للكثير من التلاميذ في أوساط عليا ومتوسطة من المجتمع عن إغلاق أبوابها ؟ ما مصير آلاف التلاميذ الذين يتابعون فيها وفي مراحل حاسمة من التعليم ؟ إلى أين يذهبون ؟ الجواب سهل من الناحية النظرية: إلى المدرسة العمومية، لكننا جميعا نعرف حجم الاكتظاظ الموجود في مؤسسات التعليم العام وعدم أهليتها من الناحية التربوية ؟! فكثير منها تجاوز طاقته الاستيعابية بمقدار الضعف!! ومعظمها أخذ منه الضعف في المستويات مأخذه !!

دائما في كل خطوة يجب أن ننظر في العواقب .. وفي كل إصلاح تعليمي – وهو مطلوب في كل لحظة ودون تأخير – يجب أن نفكر في المرحلة الانتقالية وفي الخطة البديلة (Plan B) وهو ما لم يحدث على ما يبدو في هذه الخطوة المفاجأة.

من جهة أخرى لا بد من الإشارة إلى أن التعليم الخاص عبارة عن مستويات متعددة فهناك مؤسسات ذات دخل مرتفع ومستوى مادي محترم لا يتوقع أن يشكل القرار لها أية مشكلة في حين أن هناك مؤسسات أخرى متوسطة المستوى قد يؤدي تطبيقه إلى إفلاسها وغلق أبوابها وبالتالي إلى طرد التلاميذ وتضييع مستقبلهم في الوقت الذي لا تمتلك الدولة حلولا استعجالية لهذه المشكلة في حال حدوثها نظرا لانعدام الطاقة الاستيعابية في مؤسساتها التربوية بما في ذلك مؤسسات التعليم العالي.

فإذا كان الغرض من القرار هو الردع فلا بد أن يكون بمستوى كاف لينصاع له الجميع وإلا فسيؤدي إلى تعميق الهوة بين مستويات التعليم بغض النظر عن الإضرار بمصالح التلاميذ وهي بطبيعة الحال نتيجة عكسية لا يمكن أن تكون هي الهدف المقصود من ذلك القرار.

هذا الخطأ سببه خطأ آخر هو السماح بقيام مؤسسات تعليم خاص لا تتوفر فيها المعايير التربوية والأكاديمية المطلوبة ودون التقيد الصارم عند تأسيسها بدفتر الالتزامات الذي وضعته الحكومة والذي يحتاج برأينا إلى تحيين في ضوء التوجهات الجديدة لإصلاح التعليم بعد خطاب رئيس الجمهورية.

إذا كنا نريد منع التعليم الخاص (الوطني والأجنبي) فنلمنعه بقوة القانون وبوضع دفتر للالتزامات يجعله ينصاع بشكل صحيح للضوابط التربوية والبيداغوجية ولمقتضيات السياسة التعليمية الوطنية في شكل المؤسسة وبيئتها التعليمية وبرامجها وطواقمها التربوية وأهليتهم لمزاولة مهنة التدريس وفقا للنظم الوطنية المتبعة.

وكحل لهذه المعضلة التي وجد الجميع نفسه فجأة فيها بعد القرار المذكور أقترح تأجيل العمل بالقرار إلى حين انتهاء السنة الدراسية لكي لا يتضرر المواطنون منه وحتى مع التأجيل لا يكون تطبيق القرار منصفا ما لم يكن هناك تفكير جدي في في الطريقة التي تمكن من استيعاب آلاف المسرحين من مؤسسات التعليم الخاص بشكل لا يضر بهم.

وفي تقديرنا أن الحل يتمثل في إعادة تنظيم التعليم الخاص وفي تحيين دفتر الالتزامات بالطريقة التي سنتحدث عنها قريبا إن شاء الله في سلسلة المقالات التي ننشرها الآن حول التعليم.

البكاي عبد المالك/ أكاديمي و وزير سابق