
الراصد : خمسة وستون عامًا مرّت منذ أن رفعت موريتانيا علمها لأول مرة، ومنذ ذلك اليوم وإلى اليوم ما زال السوق الموريتاني يحاول أن يكتب شهادة ميلاده الزراعية… لكنه يفشل في كل مرة، ويعود ليستورد البصل والطماطم والجزر وكأننا دولة عمرها أسبوعان، لا دولة بلغت عقدها السابع من الاستقلال!
● البصل… فاضح الفشل!
في كل موسم ترتفع أسعار البصل وكأننا نتعامل مع معدن نادر، فيما الدول المجاورة تنتج منه فائضًا يُرمى أحيانًا. لماذا تعجز بلاد بها آلاف الهكتارات الصالحة للزراعة، وأنهار موسمية، ومياه جوفية هائلة، وشباب عاطل يبحث عن أي فرصة، عن إنتاج أبسط خضار؟
ليس السبب مناخًا ولا تربة… بل إدارة فاشلة ترى في الاستيراد أرباحًا وفي الاكتفاء الذاتي تهديدًا للمصالح.
● الطماطم… مرآة الزيف التنموي
نستورد الطماطم منذ عقود، رغم أننا أنفقنا—بالورق—مليارات على الزراعة. عشرات المشاريع الريفية، مزارع نموذجية، تعاونيات نسوية، خطط خمسية، لجان، حملات إعلامية… ثم ماذا؟
طماطم مغربية.
طماطم سنغالية.
طماطم إسبانية.
أما الطماطم الموريتانية فهي مثل “التنمية الموريتانية”: تظهر في الصور وتختفي عند أول حساب.
● الجزر… 65 عامًا من الدوران في نفس الحلقة
الجزر ليس مشروعًا نوويًا، ولا يحتاج لتكنولوجيا فضائية. مجرد بذور، ماء، وتربة. ومع ذلك، كل الأسواق ممتلئة بجزر مستورد، بينما أراضي الضفة يمكنها أن تنتج ضعف حاجة البلاد لو وُجدت إرادة حقيقية.
لكن في كل مرة، ينتصر لوبي الاستيراد على المشاريع الزراعية، وينتصر الربح السريع على التخطيط، وتنتصر الفوضى على المصلحة العامة.
● 65 عامًا من الاحتفال… بلا إنجاز زراعي حقيقي
الغريب أننا في كل ذكرى للاستقلال نرفع الشعارات ذاتها:
- “الاكتفاء الذاتي”
- “الزراعة قاطرة التنمية”
- “موسم زراعي استثنائي”
ثم في اليوم التالي… تطفو شاحنات الخضار المستوردة وكأنها تسخر من الدولة كلها.
كيف يمكن لدولة تريد الاستقلال الاقتصادي أن تعجز عن توفير خضروات أساسية؟
وأي استقلال نحتفل به إذا كانت موائدنا مرتبطة بقرارات تجار الحدود وأسعار الأسواق الإقليمية؟
● ليست مشكلة بصل… بل مشكلة دولة
قصة البصل والطماطم والجزر ليست مجرد سلع، بل رمز لانهيار التخطيط، وغياب الرؤية، وفساد السياسات، وهيمنة جماعات المصالح على القرار الاقتصادي.
فالدولة التي تعجز عن إنتاج البصل… لن تنتج تنمية، ولن تحارب بطالة، ولن تحقّق استقلالًا اقتصاديًا مهما رفعت من شعارات.
ربما آن الأوان أن نتوقف عن الاحتفال، ونسأل أنفسنا بجرأة:
إلى متى نستقلّ سياسيًا… ونبقى تابعين اقتصاديًا حتى في سلّة الخضروات؟
محمد عبد الرحمن ولد عبدالله
نواكشوط – موريتانيا
