الراصد : المقدمة:
التعليم هو السلاح الأهم في نهضة الشعوب، وهو الحصن المنيع ضد الاستبداد والفساد. لكن في موريتانيا، واجه هذا القطاع عقودًا من التهميش والتخريب الممنهج على يد الأنظمة العسكرية الحاكمة، مما أدى إلى ترسيخ الجهل، وتعميق الفجوة الطبقية، وتعزيز سيطرة النخبة الفاسدة على مقدرات البلاد.
هذه المرافعة تهدف إلى إثبات أن الحكام العسكريين في موريتانيا لم يكتفوا بالفساد السياسي والاقتصادي، بل حاربوا أيضًا التعليم، لأنه يشكل تهديدًا مباشرًا لسلطتهم المطلقة.
---
الحجة الأولى: تدمير قطاع التعليم عبر الإهمال والفساد
1. الأدلة المادية على انهيار التعليم
تشير تقارير البنك الدولي واليونسكو إلى أن نسبة الأمية في موريتانيا تجاوزت 40%، وهي من أعلى النسب في المنطقة، مما يعكس فشلًا ممنهجًا في تطوير التعليم.
نقص المدارس في الأرياف، والاكتظاظ في المدن، مع غياب أبسط مقومات العملية التعليمية، مثل الكتب والمقاعد والمعلمين المؤهلين.
في بعض المناطق، يضطر الأطفال إلى الدراسة تحت الأشجار، مما يعكس حجم الإهمال والتهميش.
2. الفساد المالي في قطاع التعليم
وفق تقارير منظمات محلية ودولية، يتم تخصيص ميزانيات ضخمة لقطاع التعليم، لكنها لا تصل إلى المدارس بسبب انتشار الاختلاس والمحسوبية.
على سبيل المثال، في السنوات الأخيرة، رُصدت ميزانيات لبناء مدارس جديدة، لكنها لم تُنفذ أو تم تنفيذها بجودة متدنية بسبب الفساد، ما أدى إلى انهيار بعض المدارس بعد فترة وجيزة من إنشائها.
غياب المساءلة ساعد على تحويل قطاع التعليم إلى مصدر للثراء غير المشروع لكبار المسؤولين العسكريين والمدنيين التابعين لهم.
---
الحجة الثانية: التهميش المتعمد للفئات الضعيفة والمناطق الريفية
1. التمييز الطبقي والجغرافي
يتمركز التعليم الجيد في المدن الكبرى، بينما تُهمل المناطق الريفية، مما يعمّق الفجوة بين النخبة الحاكمة والعامة.
ضعف البنية التحتية في الأرياف وغياب المعلمين المؤهلين يجبر آلاف الأطفال على ترك الدراسة أو السفر لمسافات طويلة، مما يزيد نسبة التسرب المدرسي.
2. التمييز ضد المكونات العرقية المهمشة
الفئات المستضعفة، مثل الأفارقة الموريتانيين وشرائح المجتمع الفقيرة، تواجه تمييزًا في فرص التعليم، حيث تفتقر مدارسهم إلى الدعم مقارنة بالمؤسسات التعليمية التي تخدم أبناء النخبة الحاكمة.
يتم تقليص التعليم بلغات هذه الفئات، مما يعزز تهميشها وإضعاف فرصها في المنافسة داخل سوق العمل.
---
الحجة الثالثة: التعليم كعدو طبيعي للاستبداد
1. الجهل أداة لإطالة عمر النظام العسكري
الحكام العسكريون يدركون أن الشعب المتعلم هو شعب ناقد، قادر على المطالبة بحقوقه، والمشاركة في صنع القرار، مما يهدد سلطتهم.
لذلك، فإن الاستثمار في التعليم يمثل خطرًا على الأنظمة الفاسدة، لأنها تخشى نشوء جيل واعٍ يطالب بالتغيير والعدالة.
2. السيطرة على المناهج وتوجيهها سياسيًا
يتم التلاعب بالمناهج الدراسية لتهميش الفكر النقدي، وتعزيز الطاعة العمياء للسلطة، وتشويه الوعي السياسي لدى الأجيال الجديدة.
إضعاف التعليم في مواد مثل التاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية، لأن هذه المجالات تُنمّي الفكر الحر والاستقلالية، وهي أمور لا تخدم النظام العسكري.
---
الحجة الرابعة: انتهاك الحقوق الدولية والالتزامات القانونية
1. مخالفة الاتفاقيات الدولية
موريتانيا وقّعت على اتفاقية حقوق الطفل والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكلاهما يضمنان الحق في التعليم الجيد، لكن الواقع يكشف عدم التزام النظام بهذه الاتفاقيات.
التقارير الدولية تؤكد أن موريتانيا لم تحقق الحد الأدنى من المعايير العالمية في التعليم، مما يضعها في موقف مخجل على الصعيد الدولي.
2. التعليم حق وليس منحة من الحاكم
الحكومات الديمقراطية تعتبر التعليم استثمارًا استراتيجيًا في مستقبل الأمة، بينما الحكومات العسكرية تعتبره تهديدًا لسلطتها، لذلك تتعمد إبقاءه في حالة متردية.
الشعب الموريتاني لا يطالب بامتيازات، بل بحقوقه الأساسية التي كفلتها المواثيق الدولية والدساتير الحديثة.
---
الخاتمة: ضرورة مقاومة التجهيل ومواجهة الاستبداد
لا يمكن لموريتانيا أن تتقدم أو تزدهر ما دام التعليم في قبضة الفساد والاستبداد. إن تغييب الوعي عبر تدمير التعليم هو جريمة بحق الأجيال القادمة، ويجب مواجهتها بكل السبل الممكنة.
على الشعب الموريتاني، والمجتمع المدني، والمنظمات الدولية، أن يكثفوا الجهود لكشف هذه السياسات، والضغط من أجل إصلاح جذري يعيد التعليم إلى مساره الصحيح كأداة للتحرر والنهضة، وليس كأداة في يد الأنظمة المستبدة لإدامة حكمها.
إن المعرفة قوة، والجهل عبودية. والطريق إلى الحرية يبدأ من التعليم.
منقول عن / مجموعة واتسابية