حملة ملاحقة للسحرة، ولكن ليست هنا للقضاء على معارضي النظام القائم كما قد يقع

جمعة, 17/01/2025 - 07:27

الراصد : ظل الإبقاء على فرق خمس سنوات بين سن تقاعد الموظفين الرسميين ووكلاء ومتعاقدي الدولة وبين سن تقاعد الأساتذة الباحثين الجامعيين والأساتذة الاستشفائيين الجامعيين مطلبًا للنقابة الوطنية للتعليم العالي تمسكت به على مر سنين ودافعت عنه بشدة لدى السلطات حتى تحقق في سبتمبر 2022 (المرسوم 2022-137).

 

ولربما كانت نشوة الانتصار والفرح بتحقيق المطلب القديم سببا جعل المعنيين بالأمر يغفلون عن الفقرة الثانية من المادة 39 من هذا المرسوم ولا يكتشفونها إلا بعد انقضاء فترة الطعن والاعتراض على تلك الفقرة في الأجل المحدد لذلك؛ وهي الفقرة التي تنص على أن “الحد العمري المحدد في الفقرة الأولى أعلاه لا يمكن أن يتيح للأساتذة الباحثين الجامعيين والأساتذة الاستشفائيين الجامعيين القيام بمهام غير التدريس والبحث في مؤسسات التعليم العالي، عند بلوغهم سن الخامسة والستين(65)" وتتناسى أن التأطير الأكاديمي كالإشراف على الأطروحات وتنسيق المشاريع ووحدات البحث لا يمكن فصلها بحال من الأحوال في التعليم العالي عن وظيفتي التدريس والبحث.

 

ولما ظهر الخلل علنا للجميع ووصف بالمرض ووجه اللوم للزملاء من أساتذة التعليم العالي والأصدقاء الذين كانوا حاضرين في مجلس الوزراء الذي تمت فيه المصادقة على المرسوم المذكور تبين أن الفقرة الثانية التي أثارت وما والت تثير الجدل لم تكن مدرجة في النسخة الأصلية التي قدمت للمجلس وتمت المصادقة عليها في 30 سبتمبر 2022. وهناك مصادر أخرى تزعم (والله أعلم) معرفة ملابسات إُدخال الفقرة 2 لاحقًا ليخرج المرسوم في الصيغة التي تم نشرها بعد شهرين في الجريدة الرسمية (العدد 1522 بتاريخ 30 نوفمبر 2022).

 

واليوم وقد تراءى الجمعان وعلم كل أناس مشربهم بعد حادثة الرسائل الصادرة عن وزير الوظيفة العمومية والعمل وتعميم وزير التعليم العالي والبحث العلمي، تكون قضية المرسوم 2022-137 قد دخلت مرحلة تشبه بتلك التي يكون فيها السرطان قد انتشر في الجسم. نعم لقد شكلت هذه المرحلة بالنسبة لبعض الأساتذة والباحثين مناهضين للظلم فرصة للاعتراض على شرعية هذه القرارات الإدارية وذلك بسبب الأضرار العديدة والمتعددة التي تلحقها اليوم بأكثر من 82 شخصًا، وستمتد أثارها السلبية مستقبلاً لتشمل باقي الزملاء من العاملين حاليا والقادمين لاحقا.

 

كما هي مناسبة سانحة أيضا ليعلم الرأي العام أن الضحايا كلفوا محاميا بمتابعة ملف الاعتراض على القرارات الإدارية الأخيرة للسلطات العليا و أن الملف يوجد الآن بين يدي القضاء وأنهم مستعدون للتحرك مستخدمين إن شاء الله كل الوسائل الديمقراطية والقانونية من أجل نيل حقوقهم، والحصول على مزايا أخرى لا تقل عن تلك التي تُمنح للجنرالات عند تقاعدهم الرسمي ومنها احتفاظهم بكامل امتيازاتهم لمدة خمس سنوات بعد إحالتهم إلى التقاعد الاحتياطي.

 

أما الرسالة الجديدة رقم 06 الصادرة بتاريخ 3 يناير 2025، التي وجهها وزير الاقتصاد والمالية إلى الشركاء الفنيين والماليين لموريتانيا في نواكشوط، فتعتبر خطوة أخرى في سياق سياسة ملاحقة السحرة بالإضافة إلى طابع محتواها التمييزي؛ لكن الهدف هذه المرة من الملاحقة ليس القضاء على معارضي النظام السياسي القائم، بل التخلص من الكفاءات والخبرات  صاحبة التجربة والقادرة على قول “لا” باسم احترام المؤسسات والدفاع عنها، كل ذلك لا لشيء إلا تمهيد أرضية ملائمة لجيل جديد ينتظر توليه إدارة البلد خلال الفترة 2024-2029 وقيل ما بعدها.

 

من جهة أخرى، تبقى الثقة في عدالتنا قائمة، والأمل موجود في أن يتدخل رئيس الجمهورية شخصيًا، بصفته حامي المؤسسات، لإلغاء الفقرة الثانية من المادة 39 من المرسوم 2022-137 محل النزاع وأن يكون من الآن فصاعد أكثر يقظة لما يصيب البلد كله جراء صراع اللوبيات من أجل السيطرة على الإدارة والتفرد بثقته والفوز بطبلة أذنه (مقال نظرية عود الطيب وجدواها في الظرف الموريتاني في الأخبار).

 

أما بخصوص رسالة وزير الاقتصاد والمالية، فإن الأمل يكمن في ردود الفعل المتوقعة:

 

أولا من طرف الشركاء الفنيين والماليين بشأن رغبة السيد الوزير في تقييد سيادتهم على اختيار منسقي المشاريع التي يمولونها أو يتحملون مسؤولية في ضمان أفضل الظروف لتنفيذها من جهة وفي منعهم من تفضيل الكفاءة والخبرة علي على غيرهما في الاختيار وأخيرا حيال قضية منسقي المشاريع الذين لم تنته بعد اتفاقيات اكتتابهم.

 

وثانيا من الحكومية في وجه التداعيات المحتملة للامتعاض الحاصل اليوم بسبب هذا المحتوى التمييزي لرسالة السيد وزير الاقتصاد والمالية والذي قد يحرم الكثير من الموريتانيين من الفرص لصالح الأجانب.

 

تلك رسالة إلى من يهمه الأمر

 

 

الدكتور سيدي المختار طالب هامّـه