الراصد : استطاع برنامج 'ضيف الشعب" هذه المرة أن يمنح لقرائه عطلة أسبوعية على طريقته الخاصة الأسبوعية بمحاورة واستضافة صاحب الأحرف الذهبية والكتابات التي تحبس الأنفاس شوقا وتشوقا، الأستاذ المدرس الكاتب، المرتضى محمد أشفاق ، وهذه "انحيرة" لي ولقراء "ضيف الشعب"
نظرا لتعثر توضيح الصورة، إليكم نص المقابلة
قراءنا الكرام متابعي الصفحة الأسبوعية "ضيف الشعب" في هذه الحلقة اخترنا أن نستضيف شخصية استطاعت أن تحتل مكانها ومكانتها في نفوس المتابعين ونشطاء منصات التواصل الاجتماعي الذين يبحثون عن ثنائية الإبداع والاستفادة، شخصية طالما تغنيتم بكتاباتها الأدبية ونصوصها الشعرية وقصصها الظريفة، فأهلا وسهلا بكم. وبضيفنا الكبير الكريم
بداية ماذا تعني لكم جريدة الشعب و من هو المرتضى في سطور
سمعت بجريدة الشعب مبكرا، وأظن أنها كانت اليومية الوحيدة التي ظلت تصدر بنسختيها: العربية والفرنسية، قبل أن يتغير اسم النسخة الفرنسية إلى (لوريزونه)، لذلك كانت مهمة جدا، لأنها تجمع بين الأخبار، والثقافة، والأدب..
و من محاسن الصحف الورقية أنها تبقى، وتتحول إلى مراجع يستأنس بها في بعض المجالات..كانت الشعب أيضا ملاذ الكتاب والشعراء المبتدئين في مرحلة الأسماء المستعارة..
نشرت فيها مقالا في نهاية التسعينات بعنوان: (حين يصاب الضمير المهني بالضمور)...
وعندي منها نسخة صادرة سنة ١٩٧٩، فيها الناجحون في شهادة ختم الدروس الإعدادية من بعض المراكز..
المرتضى بن محمد أشفاق مولود 1964 في ألاك..
عمل أستاذا للغة العربية، ثم مديرا لبعض مؤسسات التعليم الثانوي، تقاعد 2018، بعد خمس وثلاثين سنة من الخدمة.
السؤال الأول: هل كان اختياركم لمجال التدريس هواية أم كان مبرمجا في بداية مساركم العلمي؟؟
كان خيارا بعد حصولي على البكالوريا سنة1981، كانت المنح الخارجية متوفرة جدا إلى مختلف الأقطار العربية، تونس، المغرب، سوريا، المملكة العربية السعودية..لكنني اخترت الدراسة في المدرسة العليا للتعليم.
السؤال الثاني: كيف تقيمون واقع التعليم خلال السنوات الماضية وكيف تنظرون إلى المدرسة الجمهورية ؟؟
ظل التعليم يتدحرج بين الإصلاحات المرتجلة، التي كانت استجابات لحاجات سياسية بدل أن تكون لاعتبارات تربوية..
لكن إصلاح 1999 كان مأساة حقيقية، أدت إلى انهيار التعليم على جميع الأصعدة، وتفشت فيه كارثة انحطاط المستوى، ولعل المشكل الأساسي هو مشكل اللغة، في العالم أجمع تكون لغة التدريس هي اللغة الرسمية للبلد، وتدرس اللغات الأجنية بوصفها لغات أجنبية، لا حاملة معارف أخرى، وقد جربنا أن إصلاح ٩٩ خرج تلاميذ يجهلون اللغتين العربية الفرنسية..
وفي هذا الإصلاح انحطت قيمة مادتي الأدب والفلسفة، وكل مواد العلوم الإنسانية، فغابت الثقافة العامة عن اهتمامات التلاميذ، وأصبح عندنا جيل غير مثقف حتى وإن حمل أعلى الشهادات العلمية..
بالنسبة للشق الثاني من السؤال، وهو المتعلق بالمدرسة الجمهورية فلا أستطيع الإجابة عليه، لأني لم أطلع على ما يتعلق به، لكنني أعرف أن تعليق التمييز بين مؤسسات التعليم الوطنية، برد الاعتبار إلى مؤسسات التعليم العمومي حتى يلجها أبناء الفقراء وأبناء الأغنياء، فيجلس ابن الحارس إلى جانب ابن الضابط الكبير والوزير، هذا عمل وطني، وواجب أخلاقي تنبغي المحافظة عليه..
في السنوات الماضية تحولت مؤسسات التعليم العمومي إلى شبه ملاجئ للفقراء، والبسطاء الذين لا يجدون وسيلة لولوج التعليم الخصوصي، ومؤسسات الامتياز، لذلك كانت وكرا للغبن، والتهميش، والشعور بالظلم والإقصاء، وما ينجر عن ذلك من انحراف، وتنامي الجريمة في البلد.
السؤال الثالث: في أيهما ترون زيادة التحسين من جودة التعليم تحسين المناهج الدراسية أم تحسين وضعية المدرسين ؟؟
إصلاح التعليم عنوان عام، ومطاط لأنه يتطلب معالجة مواطن الخلل المتراكم..
ظل التعليم يعيش بالوعود، والمهدئات، وأحيانا بالصفقات لإسكات بعض النقابات المطالبة بالإصلاح..
وظل مقعد وزيره شبيها بكرسي الحلاق، يتعاقب عليه الوزراء، فكلما مل أهل التعليم وزيرا، وشكوا إخلافه الوعود، طلع وزير آخر، وكأني بقائلهم يقول هذا أحسن، هذا أكثر جدية، ثم تبين الأيام أن الوزراء نسخ من بعضهم، وأن استبدالهم مسكن مؤقت تجتاز به مرحلة..
وظل اسم الوزارة في حالة اضطراب مستمر: فتارة تظهر باسم وزارة التهذيب، وطورا بوزارة التعليم، وآونة باسم إصلاح التعليم، إلخ..
بالعودة إلى سؤالكم أظن أن الجانبين أساسيان في عملية الإصلاح: مراجعة البرامج لتواكب التطور، وتوائم خصوصية البلد..ثم التحسين الفوري لحياة المدرسين المادية والمعنوية، لا يمكن لمدرس غير مرتاح أن يؤدي رسالته، ظروف المدرسين في الأرياف، وحتى في المدن قاسية جدا، ورواتبهم المجهرية لا تستطيع أن تلبي حاجاتهم المختلفة، والضرورية..
وكل إصلاح لا يبدأ بتحسين وضعية المدرس، ومراجعة البرامج، وفرض التدريس الشامل باللغة الرسمية للبلد بصوفها أيضا لغة عالمية يستطيع بها الطالب متابعة دراسته الخارجية، وكذلك تدريس لغاتنا الوطنية لأنها من مصادر ثرائنا الثقافي، وعامل أساسي لتقوية الوحدة الوطنية بتحطيم جدار اللغة، قلت كل إصلاح لا يراعي هذه الأمور لن يكتب له النجاح...
وقد كتبت مرة أن من أسباب إصلاح التعليم تسمية وزير لا يمارس العمل السياسي، ولا ينتمي إلى موالاة، ولا إلى معارضة، ويقسم على خطة عمل، وتمنح له مأمورية محددة لإنجاز برنامجه، ويحظر على السلطة، والمتنفذين كلهم أن يمارسوا عليه الضغوط..
أما الوزير الرحالة فلن ينجز شيئا لأنه مشغول بإعداد زاد الرحيل..
السؤال الرابع: ماذا تمثل الكتابة بالنسبة لكم هل تجدون فيها انفسكم بشكل أكبر؟؟ وماهي أهم كتاباتكم التي تركت تأثيرا في مشاعركم؟؟
الكتابة كما يقول (ول عوه) عن الحب، سلس..
والكتاب طبقات، منهم المقلون، ومنهم المكثرون.
رأيي أن الكاتب الحق لا يعرف بحجم آثاره، بل بعمق أفكاره، وجمال سبكه وتحريره حين يريد أن ينقل أفكاره إلى الناس..
الكتابة إذن هي رسالة بين طرفين، بين باث ومتلقٍّ..
و هي من الكاتب الحق تلقائية عفوية، يصفها البعض بصدور النور من الشمس، والعرف من الزهرة...
لكنها أيضا تشبه البضاعة، فكما أن التاجر يحب أن يكون له زبناء يشترون منه، فإن الكاتب كذلك يحب أن يكون له قراء يقرؤونه..
لكن الفرق بين الصنفين هو: أن الزبناء يتحكمون في نوع بضاعة التاجر، فلا يمكن للتاجر أن يعرض الخمور مثلا في مجتمع مسلم، ولا يمكن له أن يفتح مكتبة لبيع الكتب في أحياء الأميين..
هل ينطبق هذا على الكاتب، فيتحكم فيه القراء، ولا يكتب إلا ما يرضيهم؟ اختلفت الآراء في هذا، وظهرت عدة اتجاهات ومدارس، منهم من يرى أن الفن للفن، ومنهم من يرى الفن للحياة..
الكاتب الحق هو الذي يرضي ضميره، قبل أن يرضي ضمائر الناس، لأنه صاحب رسالة وإصلاح لا بد أن تنتصر، وإن زرعت في طريقها الأشواك و العراقيل..
نعم أنا أشعر بارتياح كبير حين يقول لي القلم: أكملت السطر، فهل من مزيد؟
السؤال الخامس: كيف تنظرون إلى ماينشر في هذا العالم الأزرق( وسائل التواصل الاجتماعي) من ناحية الإيجابيات و السلبيات ؟؟
من الدنيا، منه المفيد و غير المفيد، منه السيئ والصالح، ومنه النافع والضار..
بالنسبة لمجتمعنا البدوي الذي ما زال في بداية تهجي الحياة المدنية، فرأيي أنه وجد نفسه دون تمهيد، ولا سابق إشعار أمام هذه الوسائل التي تنقل إليه بصورة عشوائية، وفوضوية مفرزات العولمة، منها المعارف المختلفة، و المفيدة، ومنها نفايات الأمم الأخرى، وغسيل أخلاقهم، وسوء أعمالهم..
صار الطفل، والأمي، والمثقف، والذكر والأنثى يشاهدون العالم، ويسمعونه بين أيديهم، في هواتفهم الصغيرة، ليس بينهم وبينه حجاب، ولا رقيب..
لا شك أننا سنتفاوت في التأثر، منا من يستفيد لأنه يأخذ منها المفيد ويتجنب ما سواه، ومنا من يؤثر جوانب أخرى يسرح فيها ويمرح دون مراعاة لقيم ولا أخلاق..ترى أولئك ينشرون حياتهم الخاصة جدا، موائدهم، و أعداد أطفالهم، و ألوان ملابسهم، و أعراسهم التي تكون غالبا بمظاهر خادشة للحياء..
لكن جوانبها المفيدة تبقى ضرورية، بمكتباتها و مواضيعها المختلفة، علمية، و دينية، و تاريخية، و طبية..باختصار وسائل الاتصال صارت واقعا لا يمكن تجاهله، و العالم بين أيدينا، ونحن وحدنا المسؤولون عما نختار..
و في الأخير أتوجه إليكم و لجريدة الشعب بجزيل الشكر على إتاحة هذه الفرصة الثمينة و لكم أطيب التحايا و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته