مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (ايرا-موريتانيا) موريتانيا: ساعات من الإفك ورقة إيجاز

اثنين, 09/03/2020 - 21:18

الراصد : اليوم الوطني لـ”مناهضة” الرق، الذي احتُفل به يوم 6 مارس من كل سنة من قبل نظام محمد ولد عبد العزيز، يهدف، أصلا، إلى إلصاق التهم بالحراك الانعتاقي. يتعلق الأمر بخلية أزمة موجهة لزرع الشكوك في الرأي العام من أجل التلبيس على الكفاح ونزع الثقة من المناضلين. وعلى مر تسلسلاته، اقتصر الحدث على أعياد باهتة بعيدة عن فضاءات تجمهر وتوطن المجموعات المهيمنة. كان يتوجب على المهزلة أن تنتج الوهم بوجود دولة قانون لا تنجو فيها أية مكونة عرقية من آثار العبودية المرتبطة بالمولد. وفي المحصلة كان لابد من تفكيك التفاوت الموروث والعنصرية وحتى احتواء هذه الممارسات داخل شباك من السببية الاقتصادية، بعيدا عن حتميات العرق والنسب.

ومنذ ظهور الحركة المطالبة بالحقوق المدنية في منتصف التسعينات، لم يتغير الخط بالرغم من التناوب في الواجهة على رأس هرم الدولة. فحتى اليوم، ما زال ذلك الخط يتأرحج بين العمل العبثي والتخبط على غير هدى، بين الإنكار والتزييف والتهور التشريعي، بغية إفراغ تاريخنا من متناقضاته.

الاختراع
من حيث التزييف والانتهازية التين اتسمت بهما الحكامة القائمة دون رؤية أو طموح، أصبح مجتمع السونينكي ميدانا لتجريب السياسات العمومية في مجال الحد من التسلسل الهرمي القديم. وهنا، برهن اختيار ولاية كيديماغا على البعد العرقي غير المتنوع للرق. وهكذا تم تمييع الرسم الشامل للهيمنة والميول العرقية في رسوخهما على كل مستويات سلطة الدولة داخل لوحة غير متمايزة عن التخلف حيث، في النهاية، تمّحي اعتبارات التفوق والنسب والظلم التي تعد حصيلة عدة قرون في موريتانيا. هذه التوكيدات الشكلية المزيفة تريد أن تحد حقل استغلال الانسان للإنسان في تمظهر وحيد داخل مكونة السود المنحدرين من جنوب الصحراء. وبدا أن اختيار كيديماغا كان مناسبا بحيث ذاع فيها، من الآن فصاعدا، شجب احتقار الفئات الدنيا والمطالبة بالانصاف بكل قوة ونفاد صبر مشروع. أما على باقي الأراضي الموريتانية، فتصرُّ الدولة على طمأنة مرتكبي الجريمة والمستفيدين من الامتيازات المرتبطين بهم. وبفضل المقارنة الساخرة بالسونينكي، تمنح النظرية، غير الرسمية، للموريتانيين القدرة على تجنب المساءلة حول عوائق المواطنة.

الديكور
بسبب عدم استعداده للمضي مع النشطاء وضحايا التمييز متعدد الأشكال في تبادل صريح للآراء واستعداد للبحث عن حلول، يصر النظام على استبعادهم غير المجدي في الحقيقة. ومنذ دكتاتورية ولد الطايع، ظل منطق الشدائد والهذيان المتعلق بالمؤامرات الخارجية يصوغان الموقف الدفاعي للأجهزة المكلفة بترقية الانسجام والسلام. فمفوضية حقوق الانسان وشبيهاتها تنشئ وتمول منظمات من المجتمع المدني تقدم، في جنيف، مشادات شاقة للحصول على تسليم مكتوب أو علامة ترقيم. وبتماديه في انتزاع مهادنات بمدد متفاوتة، يخلط النظام بين تخفيف الحصيلة وانتصار دبلوماسيته. وينتج الهروب إلى الأمام من ركاكة الوسطاء والمرؤوسين، ومن الثغرات، ومن تكييف مجتمع ظل فيه انفصام الشخصية المغذي الرئيسي لعقلية التطويق. إن أقل قدر من شجب الحكامة والحيف الفطري يثير الفرصة بالصراخ بمؤامرة تحاك من قبل أعداء الإسلام والعروبة: وهما المفهومان اللذان يستخدمان تلقائيا عندما تخضع موريتانيا لمحاصرة الحقيقة وتنكشف مآسيها. وفجأة تثير موريتانيا، بحكم أهميتها الاستراتيجية، درجة مضحكة من التلهف والحميمية.

ردة الفعل
تشويه، ثم إخفاء قضايا ممارسة الرق على القاصريْن غايه ميغا وبيبه ولد الشيخ، تظهر كم أن الإدارة الإقليمية وجهاز القضاء يمكن أن ينخرهما الكذب في زمن قياسي. بيد أن القضيتين تعودان لفترة حكم محمد ولد الشيخ الغزواني. وبافتراضنا لاستقلالية القضاة، فإن الوزارة الوصية والمجلس الأعلى للقضاء يتمتعان بصلاحيات العقوبة تجاه الاشتباه المشروع في الانحياز أو الخطأ أو تضارب المصالح. إن أهم عائق يكمن في تكوين موظفي العدالة على التأقلم مع نير القبلية والتطرف الديني. حتى اللجنة الوطنية لحقوق الانسان، على الرغم من البدايات الواعدة منذ مغادرة رئيستها السابقة، مررت بعض البيادق المزروعة فيها منذ سنوات تقارير إلى الأمم المتحدة تؤكد نسبية وتارة تفنيد حالات الرق المعلن عنها في موريتانيا. والأدهى من ذلك أن الصحافة العمومية لا تتوانى في تصوير أفلام توحي بارتداد مذهل تكذب فيه الضحية، بحضور جلاديها، الرواية الأصلية وتلصق بالمبلغين تهمة فبركة الأحداث. ومن أجل معالجة ملف الطفل بيبو، بعثت اللجنة، المتقوقعة على نفسها بفعل اندفاع بيادقها القديمة في الدفاع عن طروحات الحكومة السابقة، أمينها العام محمد ولد إبراهيم الحائز على ترخيص لإحدى المنظمات الوهمية التي تأتي لإنقاذ الدولة خلال اللقاءات الدولية. ظروف هذا التفاهم تدخل في نطاق الأسرار ولا شيء يمكن أن يعيد النظر في غموض هذه العلاقة.
وبدلا من تعزيز الشفافية والانفتاح، تتعامل السلطات المتعاقبة مع الباحثين والصحفيين والنشطاء كأعداء. وتلجأ مصالح الأمن إلى الترحيل وتهديد الأجانب الذين يمثلون شهودا أو يحملون مشاريع تحرير. بعض هؤلاء غادر البلاد مصرا على أن لا يعود.

ما العمل؟

إن إيرا موريتانيا لتكرر، مرة أخرى، أنها تمد اليد لقادة الجمهورية الإسلامية الموريتانية لإزالة الغموض، معا وبدون محاذير، عن الرهانات المحلية للاستقرار والأمن خاصة بند حقوق الشخص ولازمته المتعلقة بالانفلات من العقوبة. ويطيب لنا التذكير بأن السلام له ثمن وله سعر عالمي يسمى المساواة الفورية. وكل أمة تناقش أو تجهل بداهة المسلمات ينتهي بها الأمر إلى دفع الثمن باهظا. إذن لماذا التعنت على مواصلة معركة خاسرة مسبقا؟ ولماذا التخوف إلى هذه الدرجة من مواجهة الواقع..؟

9/مارس/2020