هوس الصورة / محمد ولد عمار

جمعة, 24/10/2025 - 11:15

الراصد : لم تعد الأمور تخفى على أحد. فالمشهد أصبح مفضوحًا إلى درجة الإحراج، والعبث لم يعد يُغطّى بالابتسامات ولا بشعارات الولاء. كل زيارة رئاسية تتحول إلى استعراض مجاني، تلتقي فيه الوجوه ذاتها، وتُرفع الشعارات ذاتها، ويغيب عنها من يعنيهم الأمر فعلًا.

لقد أصبح من المألوف أن ترى مئات الأشخاص يتجهون إلى أي نقطة تطأها قدم الرئيس، دون هدف واضح ولا مهمة محددة. لا ملفات بيدهم، ولا مسؤوليات مرتبطة بالزيارة. فقط لأن "الرئيس هناك"، يهرولون نحو المكان وكأن الحضور بحد ذاته إنجاز وطني.

نعم، يمكن أن نتفهم أبناء الولاية التي يزورها الرئيس إن هم خرجوا لاستقباله بدافع من كرم الضيافة أو النخوة الاجتماعية، فذلك سلوك أصيل في قيمنا الموريتانية. لكن أن يتوافد على المكان أشخاص من خارج الولاية، لا صلة لهم بالموضوع ولا بالمشاريع قيد النقاش، فهذا هو العبث بعينه. سلوك يعكس عقلية التزلف، ويعطي انطباعًا عكسيًا عن جدية الدولة ومكانة مؤسساتها.

لقد تحولت الزيارات الرئاسية من لحظة تقييم ومساءلة إلى مناسبة للظهور والتقاط الصور. تهمَّش الكفاءات، وتُقصى النخب المحلية، ويُفتح المجال للمحسوبية والعلاقات المشبوهة لتتصدر المشهد. لا أحد يسأل: ما الهدف من الزيارة؟ ما الذي تحقق بعدها؟ ما المشاريع التي نوقشت أو وُقعت؟ المهم أن تكون في الصورة، حتى وإن لم تفهم خلفيتها.

الأمور أصبحت مكشوفة، والفوضى باتت فاضحة. ومن غير المقبول أن يستمر هذا العبث الذي يُفرغ العمل الرئاسي من محتواه، و يجعل ضغطا على أجندة الرئيس -بمواضيع جانبية هامشية لا تقدم و لا تأخر- تحول دون الاطلاع الكامل لما يجري في القطاع محل زيارة العمل الرئاسية، ويحوّل المشهد الى مشهد شكلي تتحكم فيه الولاءات لا الكفاءات.

من أجل موريتانيا، من أجل التنمية والموضوعية، يجب أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا. زيارة الرئيس ليست نزهة جماعية، ولا مناسبة لعرض الولاءات. إنها لحظة عمل وقرار ومحاسبة.
لقد تعب المواطن من المسرحيات المتكررة... آن أوان الجدية و الابتعاد عن هوس الصورة.