موريتانيا والهجرة غير النظامية: بين حماية المجتمع وصون الكرامة الإنسانية..

اثنين, 28/04/2025 - 11:04
بقلم/ إسماعيل أحمدوا

الراصد : تشهد بلادنا في السنوات الأخيرة تحولات ديموغرافية مرتبطة بتدفقات بشرية قادمة من محيطها الإقليمي المضطرب.
الهجرة غير النظامية، التي كانت تُعامل لفترة طويلة كظاهرة عابرة مرتبطة بمسارات الهجرة نحو أوروبا، بدأت تترك آثارًا ملموسة على البنية السكانية والخدمات الأساسية.

هذا الوضع الجديد يطرح أسئلة عميقة حول قدرة الدولة على تنظيم حركة الأشخاص داخل حدودها، وحول الآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على استقرار مجموعات بشرية جديدة في فضاء يعاني أصلًا من هشاشة اقتصادية وبنيوية.

بعيدًا عن الأحكام المسبقة، تبرز الحاجة إلى مقاربة عقلانية توازن بين احترام الكرامة الإنسانية، والمحافظة على التماسك الاجتماعي الضروري لبقاء المجتمع السياسي ذاته.

موقع موريتانيا الجغرافي كعامل محفز للهجرة

تحتل موريتانيا موقعًا استراتيجيًا يجعلها إحدى البوابات الطبيعية للهجرة غير النظامية عبر غرب إفريقيا نحو أوروبا.
بفضل حدودها البرية الطويلة مع مالي والسنغال، وساحلها الممتد على المحيط الأطلسي قبالة جزر الكناري، تحولت البلاد إلى نقطة عبور رئيسية، تجمع بين عوامل الجذب الجغرافي وعوامل الضعف الأمني.

في ظل هشاشة الرقابة الحدودية واتساع الصحراء الموريتانية، أصبحت البلاد معبرًا مفضّلا لشبكات التهريب والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود، مما أضاف للهجرة أبعادًا أمنية واقتصادية معقدة.

إن فهم التحديات التي تفرضها الهجرة غير النظامية في موريتانيا يبدأ من هذا الواقع الجغرافي الفريد، الذي يحول البلاد من مجرد أرض عبور إلى مركز ضغط متصاعد في معادلات الهجرة الإقليمية والدولية.

بين الاتفاقيات الأوروبية والمسؤولية الوطنية

وقّعت موريتانيا في السنوات الأخيرة اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، حصلت بموجبها على دعم مالي وفني لضبط الهجرة العابرة.
غير أن أي دعم خارجي يجب أن يُقرأ بعيون موريتانية وطنية: فموريتانيا ليست “دركيًا بالنيابة”، ولا يمكن أن تُختزل في وظيفة أمنية لصالح أوروبا.

الملف يجب أن يُدار انطلاقًا من أولوياتنا الوطنية:
 • حماية التوازن الاجتماعي،
 • المحافظة على السيادة،
 • منع انزلاق المجتمع نحو التوترات الفئوية والعرقية.

وتزداد أهمية هذا التحدي مع التحولات الميدانية الأخيرة:
فقد شهد الربع الأول من عام 2024 وصول أكثر من 12,393 مهاجرًا غير شرعي إلى جزر الكناري عبر السواحل الموريتانية، مقابل 2,178 مهاجرًا في نفس الفترة من 2023، أي بزيادة تفوق 400٪.
هذا التحول الرقمي الصادم يؤكد أن الهجرة غير النظامية تحولت من ظاهرة اجتماعية إلى مسألة أمن قومي، مما يفرض على السلطات إعادة النظر في أدواتها التشريعية والعملية لمواجهة هذا الواقع الجديد.

نحو سياسة هجرة عقلانية وعادلة

لم يعد من الممكن تجاهل الحاجة إلى سياسة وطنية للهجرة، قائمة على مبدأ أن لكل إقامة غرضًا مشروعًا واضحًا، ولكل وضعية قانونية إطارًا مضبوطًا.

بناءً على ذلك، يجب تبني تصنيف دقيق لمختلف فئات الوافدين وتنظيم أوضاعهم وفقًا للمعايير التالية:

1. الإقامة الدائمة (Résidence permanente)
 • تمنح للمستثمرين الحقيقيين الذين يسهمون بفعالية في الاقتصاد الوطني بمشاريع إنتاجية.

2. تصاريح العمل (Permis de travail)
 • وثيقة عمل محددة المدة (سنة أو سنتين قابلة للتجديد)، دون منح حق الإقامة الدائمة.

3. برامج العمالة الموسمية (Travailleurs temporaires)
 • لتغطية الحاجات الموسمية خاصة في قطاعات مثل الزراعة، دون منح حق الإقامة الدائمة.

4. تأشيرة الزيارة (Visa de visiteur)
 • للسياحة أو الزيارات العائلية، لا تمنح الحق في العمل أو الإقامة الطويلة.

5. تأشيرة الدراسة (Permis d’études)
 • مخصصة للطلاب، مع تنظيم واضح لمنع التحول العشوائي إلى الإقامة الدائمة.

6. اللاجئون والمحتاجون للحماية (Réfugiés)
 • تمنح موريتانيا صفة اللاجئ وفقًا لاتفاقية جنيف لعام 1951، التي تحدد شروط الحماية الدولية وحقوق اللاجئين.
 • وفي هذا الإطار، يستضيف مخيم “امبرة” بولاية الحوض الشرقي نحو ربع مليون لاجئ من مالي، هاربين من النزاعات المسلحة.

يتمتع اللاجئون بالحقوق المكفولة في اتفاقية جنيف 1951، ويقابل ذلك التزامهم باحترام قوانين الدولة المضيفة وعدم الإخلال بأمنها أو نظامها العام.

مبدأ أساسي

“لا إقامة مفتوحة بلا غرض، ولا عبور دائم بلا ضوابط.”

أهداف هذه السياسة
 • التمييز القانوني الدقيق بين فئات الوافدين.
 • ربط الإقامة بخدمة الاقتصاد الوطني دون تهديد مصالح المواطنين.
 • حماية البنية التحتية والخدمات العامة من الضغوط غير المستدامة.
 • احترام الكرامة الإنسانية ضمن إطار قانوني يحمي السيادة الوطنية.

الترحيل بين السيادة والضمانات الحقوقية

كل شخص في مركز احتجاز إداري قبل الترحيل يجب أن يُعرض خلال فترة قصيرة أمام قاضٍ مختص، للتأكد من احترام الضمانات الحقوقية وشروط الاحتجاز.

الإبعاد محكوم بالقانون ويختلف جذريًا عن المنع من الدخول:
 • الإبعاد يتم بعد المخالفة،
 • المنع يتم عند الحدود.

احترام الكرامة أثناء الترحيل ضروري،
لكن الحفاظ على سيادة الدولة وحدودها ضرورة لا تقل أهمية.

مواجهة شبكات التهريب: أولوية مزدوجة

الهجرة غير النظامية ليست دائمًا نتيجة مباشرة لحاجة إنسانية.
كثير منها اليوم أصبح مرتبطًا بشبكات تهريب البشر والإجرام العابر للحدود:
 • تهريب المهاجرين عبر المعابر غير الشرعية،
 • استغلالهم في أعمال إجرامية،
 • تعريضهم للابتزاز والاستغلال البشع.

تفكيك هذه الشبكات ضرورة أمنية وإنسانية في آن واحد.

خاتمة

موريتانيا بحاجة إلى سياسة هجرة متوازنة تضمن بقاء الدولة ككيان قابل للحياة وسط تحولات إقليمية مضطربة.

في نهاية المطاف،
السياسة الواقعية وحدها تضمن أن تكون الرحمة مستدامة، والسيادة محفوظة، والكرامة مصونة...