مقالة فلسفية حول معاناة المعلمين الموريتانيين في توجنين

اثنين, 03/02/2025 - 21:31

الراصد : تعد قضية طرد المعلمين في توجنين من الأحداث التي تلخص بؤس الواقع السياسي والاجتماعي في كثير من الأحيان، وتفتح جرحًا عميقًا في مفهوم العدالة والكرامة الإنسانية. في هذا السياق، لا يمكننا أن ننظر إلى المعلمين فقط كأفراد وقع عليهم ظلم فادح، بل كرموز للعلم، والإصلاح، والإنسانية التي نحتاجها في عالم مليء بالتحديات. ولكن إذا نظرنا إلى ما وقع لهم تحت رعاية الحاكم المحلي، بتوجيه من الوزير الأول المختار ولد اجاي، وبصمت الوزيرة هدى باباه، نجد أننا أمام أزمة فلسفية تعيد طرح أسئلة حيوية حول معنى العدالة، والسلطة، والمصير المشترك.

الفلسفة والمبادئ الإنسانية في مواجهة الظلم

إن الفلسفة الإنسانية قد طرحت منذ العصور القديمة تساؤلات حول قيمة الإنسان، وطبيعة العدالة، وكيفية تطبيقها في المجتمعات. ومن بين أبرز الفلاسفة الذين تناولوا هذه الأسئلة نجد أفلاطون، الذي أكد أن العدالة ليست مجرد توزيع عادل للموارد، بل هي حالة يتم فيها احترام كرامة الإنسان وقدرته على التفكير والتحليل. هذا المفهوم يُمكن تطبيقه بشكل مباشر على الحالة الموريتانية؛ حيث إن معلمي توجنين لا يُعتبرون فقط موظفين عموميين طُردوا بسبب قضايا إدارية، بل هم رموز للعدالة في التعليم والنهوض بالوطن. حين يُجبر معلم على مغادرة منصبه بسبب قرارات غير مدروسة، فإنما يُجبر كل مجتمع على فقدان جزء من كرامته الأساسية، لأنه يُجبر على التخلي عن حقه في المعرفة.

السلطة والإدارة: بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة

من خلال أحداث توجنين، نجد أنفسنا في مواجهة فلسفية مع مفهوم السلطة وكيف يتم استخدامها. في الفلسفة السياسية، كان ميكافيللي قد أكد على أن السياسة هي فن الوصول إلى القوة، ولكن هذا الوصول لا ينبغي أن يكون على حساب المبادئ الأخلاقية أو المصلحة العامة. فقد تم استخدام السلطة هنا لأغراضٍ سياسية ضيقة، متجاهلين حقوق المعلمين ودورهم في بناء المجتمع. كما أن طرد المعلمين لم يكن نتيجة لقصور مهني أو أخطاء فردية، بل كان نتيجة لخضوعهم لنظام يستخدم القوة فقط لتحقيق مصالح آنية، بغض النظر عن تبعات هذه الأفعال على المجتمع وعلى قيم العدالة.

الوزيرة والوزير: بين الفعل والصمت

إحدى الأبعاد الفلسفية التي تظهر في هذه القضية تكمن في دور الوزيرة والوزير في هذا الظلم الواقع على المعلمين. هنا، يمكن أن نتناول مبدأ المسؤولية السياسية والأخلاقية. في الفلسفة الأخلاقية، تتحدث العديد من المدارس الفكرية عن مسؤولية الفرد داخل النظام، خاصة عندما تكون السلطة بين يديه. فلو كان وزير التربية على سبيل المثال، يتبع المبادئ الأخلاقية كما يتطلب الواجب الأخلاقي، لكان عليه أن يواجه هذا الظلم ويناضل لإعادة المعلمين إلى وظائفهم. بدلاً من ذلك، نجد أن الوزيرة تلتزم الصمت، مما يعزز الفكرة الفلسفية القائلة بأن السكوت في مواجهة الظلم هو نوع آخر من المشاركة فيه.

الفكر التربوي والإنسانية في بناء المجتمعات

عندما يتم طرد المعلمين، فإن المسألة تتعدى حدود الحق في العمل أو الراتب. فالمعلم هو حجر الزاوية في بناء أي مجتمع حقيقي ومتقدم، فهو ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل هو مرشد، ومربٍّ، وصانع لوعي الأجيال. من خلال التعليم، تتجلى فكرة المواطنة، والتعايش، والتسامح، والحرية. وبالتالي، فإن كل معلم يتم طرده من منصبه هو بمثابة خسارة للمجتمع ككل. هذه القضية تطرح تساؤلًا فلسفيًا: كيف يمكن للمجتمعات أن تتقدم إذا كان تعليم الأجيال هو آخر أولويات السلطات؟

ختامًا: الفلسفة وصوت الحق

في مواجهة كل هذا الظلم، يبقى السؤال الأهم: ما هو مصير هؤلاء المعلمين؟ هل سيظل التاريخ يحفظ لهم دورهم الكبير في تشكيل وعي الأجيال؟ في النهاية، يمكن القول إن الفلسفة تعلّمنا أن الظلم مهما طال، فإن العدالة في النهاية ستسود. المعلم لا يُطرد بسهولة من ذاكرة شعبه، لأنه يمثل الحق والحقيقة التي لا يمحوها الزمن. لذلك، فإن قضية المعلمين الموريتانيين في توجنين يجب أن تكون دعوة للتفكير العميق في العدالة، وفي الطريقة التي تُدار بها السلطة، وفي دور التعليم في تشكيل المستقبل.

إن المعلمين في توجنين، رغم ظلمهم، يمثلون الصراع الأبدي بين الحق والباطل، بين المظلومين والمتجبرين. وتبقى رسالتهم حية في كل طفل تعلم منهم، وفي كل فكرة زرعوها في عقول الشباب، تلك الأفكار التي ستظل تنتصر على كل محاولات قمعها.

منقول