الراصد : قال الدكتور محمد باب سعيد إن خطر الزئبق في موريتانيا وصل مرحلة الانتشار العشوائي، مشيرا إلى أنه اطلع على نتائج فحوص تظهر تراكمه على قصاصات الشعر في محلات حلاقة.
وتحدث ولد سعيد ضمن مشاركته في برنامج "رأي الخبير" الذي تبثه وكالة الأخبار المستقلة، أنه "لا يمكن تحرير أي منطقة استوطنها الزئبق".
وأوضح أن "التداعيات المؤلمة قد تظهر في آجال متعددة، وقد تؤثر على الهواء والغذاء"، محذرا من ظهور "سلسلة من الأضرار اللامتناهية".
وعن تأثير عمليات معالجة معدن الذهب عن البيئة قال الخبير ولد سعيد: "دون شك فإن حظيرة حوض آركين القريبة من الشامي أصبحت في مرمى نيران الخطر.
ودعا الخبير المرشح الذي سيفوز في الانتخابات الرئاسية إلى "التصدي لانتشار وفوضوية استخدام الزبئق"، لافتا إلى أن موريتانيا من بين الدولة الموقعة على معاهدة تحظر المتاجرة بالزئبق أو نقله دون إجراءات خاصة.
وأضاف: "استخدام المواد الملوثة، والتنقيب غير المعقلن وتجريف الأراضي هو مسار متكامل من تدمير البيئة، تتكاتف على إنجازه للأسف الشديد آلاف المواطنين".
والدكتور محمد بابا سعيد، أستاذ في جامعة اكليرمون فرانه (Clermont Ferrand) في فرنسا، وهو متخصص في الكيمياء، ومهتم بالقضايا المتعلقة بالبيئة.
وهذا نص الحلقة:
رغم أن الثقافة البيئية ليست عميقة التأثير في يوميات الحياة ولا في التقاليد الموريتانية، إلا أنها في النهاية جزء أساسي من حياة الناس، وخصوصا فيما يتعلق بتبدل الأحوال، الذي يظهره الأدب الشعبي من خلال البكاء على الأطلال، والبكاء على المرابع والمواطن.
وبشكل عام فإن علاقة الإنسان بالطبيعة تتجلى أكثر في جدلية الانتماء إلى المكان، وتأثيره على الإنسان، وكذا سعي الإنسان إلى تدجين الطبيعة واستغلالها للوصول إلى غايتها الأساسية وتحويلها إلى عنصر مهم في تدبير حياته وإسعاده.
وفي حالات كثيرة يتحول تدجين البيئة إلى عمل عبثي، والأحرى في إدارة هذه العلاقة اعتبار الإنسان جزء من الطبيعة، خصوصا أن مكوناتها الكبرى تسبق الإنسان وتبقى بعده.
أما من الناحية الاقتصادية البحتة، فإن إدارة العلاقة مع الموارد والمحيطة، ينبغي أن تكون ذات جدوائية كبيرة، وأن يكون تأثير كل نشاط إنساني على البيئة مصدرا أساسيا لأي قرار اقتصادي ينفذ على هذه الأرض التي لا نملك سواها.
وفي سياقنا المحلي فإن بلدنا أمام تحديات بيئية مختلفة لا يمكن تجاهلها، بسبب البيئة الصحراوية الحارة، وعمليا فإن أبرز التحديات هي:
- تفشي المواد الملوثة: وخصوصا في مجال التعدين، مثل تفشي الزئبق، خصوصا أننا نشهد انفجارا غير مسبوق للتعدين الأهلي الفوضوي، الذي يتوقع خلال سنتين أن يعم التراب الوطني بشكل عام.
وبفوضوية غير مسبوقة فإن استخدام المواد الملوثة، والتنقيب غير المعقلن وتجريف الأراضي هو مسار متكامل من تدمير البيئة، تتكاتف على إنجازه للأسف الشديد آلاف المواطنين من المنقبين الذين يدمرون بيئة بلدهم بحثا عن مورد مالي ضئيل، ومكلف ولا يوازي حجم الدمار البيئوي وآثاره، أما التداعيات المؤلمة فقد تظهر في آجال متعددة، وقد تؤثر على الهواء والغذاء، والمؤسف أنه توجد مناطق من العالم أصبحت مغلقة أمام كل نشاط، ولا يمكن تحرير أي منطقة استوطنها الزئبق، بل يتعاظم الخطر، عندما يدخل الزئبق في النسيج الغذائي، وهو ما ينتج سلسلة من الأضرار اللامتناهية، ومن المؤسف أن هذا الخطر الكامن في التنقيب الأهلي والفوضوي، يظهر غالبا بعد 10 سنوات، ككارثة يصعب الحد من آثارها.
وللأسف فقد اطلعت على فحوص أجريت على كميات من قصاصات الشعور لدى الحلاقة، أظهرت تراكم الزئبق على تلك الشعور، وهو ما يعني أن الخطر دخل مرحلة الانتشار العشوائي.
ودون شك فإن حظيرة حوض آركين القريبة من الشامي أصبحت في مرمى نيران الخطر.
وبشكل عام فإن إدارة العلاقة بين التعدين والاكتشافات الغازية والبيئة، هو ضرورة مهمة، وأقترح على الرئيس القادم للبلاد أن يولي التصدي لانتشار وفوضوية استخدام الزبئق اهتماما خاصا، إما بمنع استخدام هذه المادة دون الإجراءات الضرورية، وتحت متابعة الجهات الوصية، وخصوصا شركة معادن التي يمكن أن يحال إليها هذا الملف البالغ الأهمية.
أو عبر اعتماد مراكز تصفية خاصة، يحال إليه تصفية الذهب، وهو ما سيمسح للمنقبين باستمرار عملهم، لكنه يحول بينهم وبين الاستخدام الفوضوي والضار للزئبق وغيره من المواد الملوثة.
وتزداد أهمية الأمر بوجود معاهدة دولية كبيرة وقعت عليها موريتانيا تحظر المتاجرة بالزئبق أو نقله دون إجراءات خاصة، ومع ذلك فإنه يتم المتاجرة الآن بالزئبق في أكياس بلاستيكية بسيطة، مثلما يباع السكر والأرز، وهو ما يعني أن التصدي الصارم الشديد لهذه الفوضوية هو السبيل الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأي تأخر في الإجراءات الصارمة يجعل محاصرة الزئبق أمرا بالغ الصعوبة.