الراصد : كشفت وثيقة سرية أعدتها بعثة من صندوق النقد الدولي "استمرار ضعف الحكامة في العديد من وظائف الدولة"، إضافة لـ"ارتفاع ملحوظ في مستوى الفساد"، مع تسجيلها "تطورات إيجابية في الأداء".
وأجرت بعثة الصندوق تقويمها خلال الفترة من 06 ديسمبر إلى 03 يونيو 2022، وضمنت خلاصاتها في وثيقة أكملتها في نوفمبر 2022، فيما تحفظت الحكومة والبعثة على مضامين الوثيقة، وتحاشت نشرها، لكن وكالة الأخبار المستقلة حصلت على نسخة منها.
مخاطر الفساد
ورأت البعثة في خلاصاتها أن "القواعد والممارسات المتبعة حاليا تعرض البلاد لمخاطر فساد على المستوى الكلي، لا سيما فيما يتعلق بإدارة ملكية الدولة للأصول المادية والمالية، ومراقبة القطاع المالي، وعمليات التعامل مع الأطراف غير الحكومية خلال إجراءات الترخيص أو المناقصات العمومية".
وشددت البعثة في تقريرها الذي سلمت نسخة منه للحكومة، على أن "الإطار القانوني والتنظيمي لمكافحة الفساد غير كاف لمعالجة مخاطر الفساد القائمة، كما أن جهود مكافحة الفساد لا تستند لاستراتيجية فعالة لمكافحة الفساد أو آليات واضحة لتنسيق أنشطة مكافحة الفساد".
واعتبرت البعثة أن "نقاط الضعف البينة في التفتيش والرقابة والمساءلة تعكس قضايا أوسع نطاقا في هيكل الإدارة"، مردفة أنه على "على الرغم من اختلاف نقاط الضعف في الحكامة حسب كل قطاع، إلا أنها مرتبطة بخصائص مشتركة لجميع أنظمة الحكامة في موريتانيا".
معالم الضعف
وسجلت الوثيقة من نقاط الضعف التي تنتظم جميع أنظمة الحكامة في البلاد "التركيز المفرط للسلطة وحق اتخاذ القرار في يد الرئيس، وتشتيت الإجراءات والأطر القانونية المعقدة للغاية، وضعف مستويات الكفاءة المؤسسية".
كما عددت منها الافتقار إلى قواعد التنفيذ والبروتوكولات التشغيلية، ومحدودية القدرات البشرية، والتركيز على التحكم المباشر، بدل المساءلة.
ولخصت الوثيقة "مشاكل الحوكمة الرئيسية في المجالات ذات الصلة بمخاطر الفساد"، في ثماني خلاصات تتعلق بالأطر القانونية والمؤسسية لمكافحة الفساد، وبالبنك المركزي الموريتاني، وبالإشراف على القطاع المالي، وبالضعف في مكافحة غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب.
كما أن منها – وفق نص الوثيقة – الضعف الكبير في الحكامة في استخدام ومحاسبة الأموال العمومية، فضلا عن نقاط ضعف كبيرة في حكامة "قطاعات المعادن والنفط والغاز والصيد"، حيث اعتبرت الوثيقة أنها "لا تضمن بشكل كافٍ الرقابة الفعالة والشفافة على تخصيص وتسعير حقوق الاستغلال، فضلا عن دفع الحقوق المناسبة مقابل استغلال هذه الموارد".
كما رأت الوثيقة أن تعبئة الموارد المحلية تشكل مجالا لنقاط ضعف كبيرة في مجال الحكامة، وأن المعالجات الضريبية الخاصة في مختلف القطاعات والاستثمارات الفردية تؤدي إلى زيادة "فرص الفساد والتواطؤ مع تقليل العدالة المنتظرة للنظام".
واعتبرت بعثة صندوق النقد الدولي أنه "من المفارقات أن نقاط الضعف في الحكامة ونقاط الضعف أمام الفساد تكون أكثر وضوحا في منطقة التجارة الحرة بسبب غياب التنسيق الحكومي، والتفاوت الواضح مع المعايير المعتمدة دوليا، والغموض، وانعدام الرقابة".
ورأت أن تطبيق القواعد الجمركية يعاني من صعوبات كبيرة بسبب غياب الإجراءات الفعالة لمراقبة أداء موظفي الجمارك والتحليل الدقيق لمخاطر التجار والشحنات.
كما تعاني حكامة الضرائب والجمارك – وفق نصف الوثيقة - من عدم القدرة على وضع آليات لتبادل المعلومات مع الأنظمة الحكومية الأخرى ومن نقاط الضعف في آليات الرقابة الفعالة، بما في ذلك التدقيق الداخلي والخارجي واستلام ومعالجة الشكاوى.
وأردفت بعثة صندوق النقد الدولي ضمن ملاحظاتها على الحكامة في موريتانيا أن إنفاذ حقوق الملكية والحقوق التعاقدية أمر غير مضمون ويخلق عقبات كبيرة أمام توسع النشاط الاقتصادي، كما أن أنظمة تمليك الأراضي الحالية غير كافية لإنشاء حقوق ملكية آمنة، خاصة في المناطق الحضرية سريعة التوسع.
وأضافت أن نقاط الضعف الكبيرة في الحكامة في الأنظمة الحالية تتجلى في تحديد وتوزيع وإدارة الأراضي المملوكة للدولة، مما يخلق نقاط ضعف خطيرة أمام الفساد ويعيق الاستثمار والنمو الاقتصادي.
وخلصت الوثيقة إلى توصيات ناتجة عن التشخيص، معتبرة أنها يمكن أن تساهم "في صياغة وإصدار برنامج حكومي لمحاربة الفساد وتعزيز الحكامة"، مذكرة بأنه "من المعروف أن المعالجة الفعالة لجميع نقاط الضعف في الحكامة ستتطلب بذل جهود سريعة ومتواصلة ومدعومة، بما في ذلك دعم شركاء موريتانيا الدوليين".
وركزت بعثة صندوق النقد الدولي على التقييم التشخيصي لنقاط الضعف في الحكامة والمواطن المعرضة للفساد في مجالات رأت أنها "ذات أولوية وأهمية بالغة للاقتصاد الكلي"، وهي "حكامة البنك المركزي وعملياته، ومراقبة القطاع المالي، ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب".
أما المجال الرابع فهو "إدارة المالية العامة، كتسيير المالية العامة، وتسيير الإيرادات بما في ذلك الجمارك، وتسيير الموارد الطبيعية، والصفقات العمومية للدولة، ومراجعة الحسابات"، إضافة لإنفاذ العقود وحماية حقوق الملكية، وأخيرا الأطر القانونية والمؤسسية لمكافحة الفساد واستراتيجيات مكافحة الفساد.
وسنعود إلى مضامين الوثيقة وتفاصيلها لاحقا.