الراصد: تُدرك الأم كم هو صعب فِطام الأطفال، وندرك نحن من باب منطق الأشياء كم هو صعب فِطام الكبار .
الرضاعة الطبيعية من الجانب النفسي هي أول عملية احتواء حقيقي للطفل بعد الميلاد ، حيث تقوم الأم بإحاطة الطفل بذراعيها وضمه لصدرها ومن ثم فهي تمنحه من خلال الرضاعة شعوراً بالحب والحنان والدفء والأمان .
وتعتبر الرضاعة عملية انتقالية تدريجية تؤهل الطفل للتعرف على العالم المحيط به من خلال الأم والاندماج فيه ، مع الاحتفاظ ببعض الخصائص التي كان يتمتع بها في رحمها.
إن علاقة الوطن بالفرد تشبه إلى حد كبير علاقة الأم برضيعها
فهي تعطيه كلما تملك ولا تبخل عليه حتى بروحها، تربيه وتحميه من جميع المخاطر التي تواجهه حتى يكبر ويشتد عوده وله الخيرة بعد ذلك في البر أم العقوق.
إن الإنتماء للوطن ترويه المشاعر وتغذيه الأفعال ،ليرتقي بمستوى الإنتماء إلى مقام حب الوطن
فالشعور بالانتماء ينشأ من مجموع المشاعر الفردية التي تشكل رأياً عاماً وتماسكاً وتكافلاً في السراء والضراء لمجموع الأفراد وما يربطهم بكيانهم الجغرافي والسياسي والاجتماعي
ذلك الشعور يوجد حتى لدى الحيوان في صورة غريزة، تجعله يشعر من غير تفكير بالانتماء إلى القطيع الذي هو منه، وهذا الانتماء على مستوى الحيوان فيه الكثير من الغريزة والقليل من الإدراك والمعرفة، أما عند الإنسان فينقلب هذا الشعور إلى (وعي) تغذيه المعرفة والثقافة حتى ينتقل من حيز الغريزة إلى حيز التفكير المختار.
فالوعي الذاتي هو الذي يتحول في مراحل حياة الفرد، إلى قوة، ويتميز به كل فرد حسب "عقيدته" بالدرجة الأولى.. ثم يتحول إلى (واقع) أي ينتقل من مستوى الشعور إلى مستوى السلوك أي السلوك المضاء بنور العقيدة الإسلامية التي تشع في مختلف حنايا جسد المجتمع ومؤسساته.. وهذا ما يجب أن يميزنا نحن كمجتمع مسلم يستمد من ثوابت عقيدته جميع حقوقه كحق الخالق، وحق المخلوق .. ويدخل في الإطار نفسه حق (المواطنة).. أي الترجمة الفعلية لحب الوطن.. أي واجبات هذا الفرد تجاه (الوطن) ومسؤوليته الاجتماعية تجاه المجتمع.
بعد إنقضاء حولين كاملين من مأمورية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تُرى ماذا تحقق من سُنة الفِطام!! وماذا تحقق من سبل تقوية الانتماء للوطن !!
كانت الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مناسِبة لتميز الرئيس غزواني عن سابقيه، وكانت الآمال تتعدى مرحلة المُمكن إلى مرحلة المستحيل، غير أن إرادة الرجل لم تكن تتعدى دور الممثل المسرحي على خشبة المسرح.
نعم لقد خدعنا غزواني تماما كما خدعته عِصابته !!
فلا فِطام لمفسد، ولا وجود حتى للمحاولة والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، والأدهى والأمر أن سياسة الفِطام لأكلة المبادئ قبل الموارد لا تتعدى الفِطام عن العلاقة بالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز مهما كلف ذلك من ثمن .
إن المقابلة الأخيرة للوزير السابق سيدمحمد ولد محم وما ظهر فيها من إستدارك لسلبية الفِطام عن الإشادة بالجوانب الإيجابية في عشرية الرئيس السابق باعتبارها عملًا مشتركًا بين فريق لازال حاكما ورئيس مسجون ومغضوب عليه
تكشف عن فقر مدقع في الخطاب السياسي وكذلك في الإنجازات لدى النظام الحالي ولعل السؤال الوارد هنا كيف يجتمعان !!
إنها لَعمري قسمة ضيزى فالرئيس السابق إن كان أحسن فله وإن كان أساء فعليه، ولانصيب للمرئ إلا ماجنت يداه.
اليوم ونحن نُحارب فيروسا قاتل ، ونجاهد أنفسنا كي لا يجتمع الواقع المتردي في كافة المجالات باليأس ، ومن المعروف خطر سوء الحالة النفسية في أجواء الحروب على مناعة المجتمعات، ألم يأن لنا أن نفهم أن غزواني مُحاصر مِن طرف أغلبية مهزومة صامتة تم إقصاؤها من قيادة الحزب الحاكم وهي أشبه بالضُّرة "المعيوفة" ومعارضة تجهل حجم المسؤوليات والتحديات وهي أشبه بشريعة " گرفاف والنَّيْرب أمام مُندريش" كما في ثقافتنا المحلية .
في خضم هذه الدائرة المُظلمة، ومع نُدرة المُعين وقِلة الزاد، ألا ينبغي أن يدرك المواطن الموريتاني أن الأثر يدل على المسير وأن الواقع يؤكد أن الحاجة إلى تغييب الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز أهم من الحاجة إلى تقوية العلاقة مع المواطن وخدمته اجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا و...........
ولعل الرئيس الحالي وموالاته ومعارضته والموريتاني عمومًا يتجاهل أن ؛
الرئيس السابق أقرب إلى نظام غزواني من أي أحد آخر
وأنه إن كان قد سرق وحده أو بمساعدة قلة معه ، وهم عُصبة ينظرون دون إنكار ولو بالقلب طيلة عشر سنين فإنهم قوم خاسرون !!
وإن كان قد أنجز طيلة فترة حكمه وأخفق فنحن لا نطمع الكمال فيه كما لانطمع التميز والوفاء والعدل فيمن تنكروا لمن تفننوا في الركوع بين يديه !!
كانت هِمتنا أكبر من إختزال الوطن في محاربة رجل،وكنا نعارضه أيام حُكمه،وكنا نطمع أن تكون هِمة غزواني أعظم من الركون إلى إرادة أعداء الوطن ، وكنا على الأقل ننتظر محاكمة الجميع دون تمييز ولكن أبى غزواني إلا أن يكتفي بمشاعر المفسدين الكاذبة والمرء يُحشر مع من أحب .