الراصد: يقول ابن الجوزي رحمه الله : “روينا أن بعض بني مروان هرب إلى بلاد الحبشة لما ظهرت ولاية بني العباس، فنزل بلادهم فأتاه ملك الحبشة وقال له: ما الذي جاء بك؟ قال: ولي الأمر غيرنا فاستجرت بك. فقال: أنتم تزعمون أن نبيكم حرّم الخمر فلِم شربتموها؟ فقال: إنما يفعل ذلك رعاع الناس ومن لا خلاق لهم. قال: وتقولون إنه حرّم الحرير فلِم لبستموه؟ فقال: إنما يفعله أتباع لنا. قال: وتخرجون إلى الصيد في طلب عصفور فتنزلون بالقرى فتأخذون أموالهم وتفسدون زروعهم، فقال: إنما يفعله الجهال. قال: لا والله بل بارزتم الله بالذنوب فسلبكم الملك”.
القائد هو الإنسان المبدع الذي يأتي بالطُرق الجديدة؛ ليعمل على تحسين العمل وتغيير مسار النتائج إلى الأفضل، والقائد الناجح هو الذي تظهر مهاراته في وضع وإعداد الخطط ، وفي طريقة تنفيذها، وهو مُتميزٌ في بثّ روح الحماسة والمثابرة عند الآخرين.
وللقائد صفات يجب أن يمتلكها ليكون بالفعل قائدا ناجحا :
-الدقة والتنظيم
-صناعة الحدث والقدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب
-الثقة في النفس
-حسن اختيار الأعوان
-الثقافة
-الذكاء الاجتماعي
-الذكاء العقلي
-القوة
-الأمانة
-............
في عالم من المتناقضات، يسود فيه الظلم والإقصاء وتغيب فيه الأصول وتُستنسخ الفروع ، ويتفيأ فيه الشعب ظلال الوهم ؛
فلا الكتاب مقروء
ولا الغنى مأمول
ولا الخُلق مطموع
حين يضيع العلم وتنهب الثروات، وتمتهن الكرامة، يتبادر إلى الذهن سؤال واحد: كيف وصل هؤلاء القادة إلى مواقع المسؤولية!!
ومن المسؤول !!
إن مقولة علي بن أبي طالب التي يلوم فيها الرعية، ويحملها مسؤولية فساد الراعي يقابلها قوله لعمر بن الخطاب، رضي الله عنهما كما ورد في "البداية والنهاية" لابن كثير: "إنك عففت فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعت".
وإن كثيرا من الأحاديث التي تمجد الراعي وتجعل صلاحه من صلاح رعيته قد ضعفها كثير من أهل الحديث ولو أنها رائجة بين العوام تغذيها منظومة دينية تستمد قوتها من الحكام .
حين يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل أباذر رضي الله عنه قائلا: “يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الأمانة عليه فيها”.
وحين يقول له : “يا أبا ذر: إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم”.
فذلك ليس تنقيصا من قدره كلا
لكنه صلى الله عليه وسلم يعلم خصلةً ما في شخصية أبي ذر، لا يراها مناسبة له في شأن إمارة الناس. فليس الموضوع جرأة أو صدقًا، بل خصال مهمة في شخصية القائد؛ لا يراها الصادق الأمين فيه.
منها :
قوة الرأي
وحسن سياسة الناس
ورجاحة العقل
وضبط النفس
وإعطاء الناس حقوقهم.
وغيرها مما فصّله العلماء وانطبق على طبيعة المسؤولية.
-فالمهمة العسكرية غير القضاء- -والقضاء غير الدعوة-
-والدعوة غير الحكم-
-والشيخ غير الحاكم -
-والمُريد غير المواطن -.
إن حقوق الرعية أعظم ، من أن يجامَلَ فيها .
فلمن يحاجج بأن الحاكم أولاً وأخيراً ابن البيئة، وأنه ليس سوى انعكاس لطبيعتها ، فأي بيئة أفضل من بيئة الصحابة عموما !!
إنما هي خصال لخصها الفاروق رضي الله عنه بقوله ؛ لايصلح لهذا الأمر إلا اللين في غير ضعف ، القوي في غير عنف .
إن الحاكم الفاسد لايبحث عن مجتمع صالح ، فهو لا يستطيع الإستمرار بالحكم في بيئة صالحة لأنها ستقاومه وتتصدى له ،وربما تسقطه، لهذا يسعى دائما إلى إفسادها بالتدرج أحيانا، وبطريقة الصدمة في أحيان كثيرة متسلحا بالفاسدين من حوله الذين يتصدرون المجالس على أنهم نخبة المجتمع وصفوته المزيفة طبعا ،وهي مصممة خصيصا للتسويف وقلب الحقائق والتدليس .
نحتاج في واقعنا إلى الصراحة مع النصيحة، وتعظيم حقوق الناس؛ فلا تستقيم الحياة وتزدهر إلا بالطمأنينة؛ ولا طمأنينة بدون عدالة ورعاية لحقوق الناس.
فحين يكون المسؤولون قدوة، عندها فقط تكون الطاعة المنبئة عن رضا، ويكون الولاء المفضي إلى تضحية وتفانٍ، ويكون الإبداع الذي طالما صاحب دولة الحق والعدل.
حين يستطيع الخليفة عمر بن عبد العزيز أن يصلح في عامين ما فسد في عقود ، وحين يرفض الشعب الأمريكي تجديد المأمورية لدونالد ترامپ وتنتصر دولة المؤسسات على جهل وعنجهية الرجل وحبه للسلطة ، فنحن أمام قاعدة واضحة من كان للحق إنتصر ، ومن كان للباطل إنهزم .
لو ترك ولد الطايع نخبة تعرف قيمة القلم والكتاب ما انقلبت عليه ، ولو تمرد المرحوم سيدي ول الشيخ عبدالله على من أوصلوه للحكم بدهاء ولم يخصص بطانته ما أطاحوا به ، ولو ترك ولد عبدالعزيز نخبة لاطمع لها في المال العام ماحاسبته ولا حاصرته طمعا فيه ، ولو أخذ ولد الغزواني نخبة تعرف معنى الأدب والعهد ما تخلت عنه
ولو إشتغل الجميع على بناء دولة المؤسسات دولة الشرف والإخاء والعدالة ماكان هذا حالنا .