كنت عظيما يوما من الأيام، وعلى ظهرك نقلت مبتسما مكتبات عظيمة الى اصقاع الدنيا، وحملت مسرورا العلماء والصالحين، ثم سقيت سكان الجبال وصبرت على تقلبات الزمن، لم تستسلم للمستعمر ولم تهادن،كنت تسير سير ذوات الأرداف في شارع “الأربعين عالما”، تبادل الخطى وانت تحس العزة والشموخ والمجد فلاتسمع من حولك الا حفيف اجنحة تطير او تراتيل تتقاذفها الجبال فترسلها صدى لروح طيبة وبلدة طيبة ونفوس اطيب، لم تقبل الضيم يوما ولم تذل نفسك،كنت تقوم بما يعجز عنه الآخرون، وكان ظهرك متسعا للجميع وسنامك ظل وثيرا يحنو على الصغار، وكانوا يرونه كومة جليد تتحرك بعز وسؤدد في الصحراء.
شخت وشاخ الزمن والجبال من حولك، وهزل الناس فقد مات العلماء والمجاهدون بعد ان احيوا دولة اعتقدت للوهلة الأولى انها ستكرمك وتحيلك الى التقاعد معززا كما ينبغي، اذ انت رجل مسن مهاب، لكن شيئا من هذا لم يحدث، فبقيت كما كنت ابدا سندا للساكنة في سني الجفاف، وظل مخرز الزمن الرديئ ينغرس يوما بعد آخر في شاكلتك كجمل عبد الواحد، حتى ضعفت وهزلت واحتقرك الأقربون، ورغم هذا أيضا بقيت كما كنت في نفسك فأنت جمل ودان وانت العالم بحمله والمقاوم براكبه والسيد الطيب الكريم الجواد بهباته لأرض الجبال، الى ان قرروا ان تموت لتحيا البطون، ان تستباح ليسر المانحون المانعون.
قتلوك ضحى امام اعين الأطفال، لم يرحموا تاريخك ولاماضيك ولاعزتك وانفتك، وفي لحظة الموت هذه وانت ترغي وتتخبط في دمائك الطاهرة، صاحوا زهوا والأطفال يبكون: لقد ترنح الجمل ويوشك ان يسقط
حتى اناخ بباب الدار اذ وصلوا وعندما ابصروا فيض الدما جفلوا
جفل التاريخ والعلم والكبرياء فهاهو الجمل بارك ورأسه الى الأرض بين يدي سلطان.. واه كما ابتسم اليتامى، سلطان ماحق للجمل ان يذل امامه، لكن ماذا ان باعك الأقربون، ماذا ان باعك ابناء الأربعين عالما للأربعين حرامي، ماذا ان قرروا ان الكبرياء والعزة هي الذ مايوضع على موائد عالي بابا وعز الدين او الظاهر الغزواني.
ايها الجمل الشهم ادرك انك تبكي، رأيت دموعك مسحاحة حتى تبلل المجلس، ماحزنك على كبريائهم الضائعة، انت تبكي لأنك لم تمنح جياع ودان لحمك الطيب، ولم يتعشوا والأربعون يريدون التهامك حتى التقيؤ، انت حزين لأنك والخراف والديكة في مقبرة واحدة، هذا لايليق، حزين لأن ملايين الجياع يتضورون بين ووراء الجبال وانت معروض امام “اربعين” لن يجرؤ اي واحد منهم في النهاية على التناول منك لأن الطبيب نصحهم بأن الوداني الحر لايؤكل ولايتحول الى سماد مهما رذل الزمن.
ياجمل ودان انت الشريف الوحيد في مائدة عالي بابا انت القوي بينهم لأنك وانت الميت تفكر في الجياع وما اكثرهم.
ماذا اقول لك غير ماقيل من قبل
ياصبر ايوب ماذا انت فاعله
ان كان خصمك لاخوف ولاخجل
وداعا ياكبرياء ودان وداعا ياعزتها وداعا ياعلمها فقد بيع كل شيئ للمماليك وعالي بابا، والى ان يكبر الأطفال ويبعث الله سكان شارع الأربعين، سامح الجميع واعذرهم فهم متخمون وارقد بسلام لأن الجياع يذكرونك بكل خير ولا يمكن ان يأكلوا من لحمك حتى لو طلبتهم ذلك، فالحرة تموت ولاتأكل بثديها ولامنه.
ستعود ودان التي تطعم الفقراء لا اللصوص، وتعلم الجهلة، وجملها يبرك لكن في العافية فقط، جمل لايذل ولايتملق..فهكذا هي دائما وابدا..اربعون من السياسيين قتلوا الجمل لكنهم لن يمنعوا الأطفال من الثورة والانتقام للجمل الشهيد ذات يوم .. وداعا
من يطعم المتخم ولايسد مسغبة الجائع عليه ان يخجل.