
الراصد : محمد عبد الرحمن ولد عبد الله – الاتحاد
منذ ولادتها كـ”مظلة اجتماعية” يُفترض أن تستهدف الأكثر هشاشة، تحوّلت وكالة التأزر إلى واحدة من أكثر المشاريع الحكومية إثارة للجدل في موريتانيا. مشروعٌ حمل في بدايته وعودًا براقة: كرامة، دعم، حماية اجتماعية، وتمكين اقتصادي للفئات التي سحقها الفقر. لكن ما إن اشتد عوده، حتى صار نموذجًا صارخًا لهيمنة أصحاب النفوذ، وتهميش المستحقين، وتضخم جهاز إداري لا يرى من الفقر إلا فرصة لالتقاط الصور.
■ وعود تلمع… وواقع مظلم
عندما أُطلقت تأزر، جرى تقديمها كـ”ثورة اجتماعية” ستغيّر حياة مئات آلاف الأسر. لكن السنوات مرّت، ولم تتغيّر سوى أرقام الخرائط والبيانات، أما حياة الفقراء فظلت حيث هي: جدران طينية، مدارس منهارة، بطون خاوية، ووجوه تنتظر.
السبب بسيط: البرنامج الذي صُمم لمساعدة الضعفاء، صارت أبوابه تمرّ عبر أبناء الأغنياء. كثير من المناصب تُمنح بالمحاباة، والمنح الصغيرة توجه — بطرائق “ناعمة” — إلى شبكات محسوبة وأقارب مسؤولين، بينما تُترك الأسر الأكثر معاناة في الطابور الطويل.
■ من يستفيد حقًا؟
لم يعد سرًا في أوساط المهتمين بالشأن الاجتماعي أن نصيب الأسد من مشاريع تأزر يستفيد منه أفراد لا تنطبق عليهم معايير الهشاشة، بل إن بعض المشاريع المدرة للدخل تحولت إلى مِنَح سياسية تُوزع في الحملات والزيارات.
أما الفقراء الحقيقيون، الذين إِسْتُخْدِمُوا كعنوان لخلق ميزانيات ضخمة، فيعودون كل سنة إلى نقطة الصفر: لا مشاريع استدامة، ولا دخل ثابت، ولا حماية اجتماعية تُسند ظهورهم في لحظات الانكسار.
■ خرائط بلا حياة… وأرقام بلا روح
تحب تأزر التباهي بـ”الخرائط الاجتماعية”، لكن ما جدوى الخرائط إذا كانت القرى الأكثر فقرًا تظل باردة، معزولة، غير مستهدفة بأي مشروع تنموي؟ ما جدوى الأرقام إذا كان طفلٌ في الريف لا يزال يقطع 6 كيلومترات للوصول إلى مدرسة بلا سبورة؟
أكبر مأخذ على تأزر أنها جعلت من الفقر إحصاءً بدل أن تجعله قضية إنسانية. وأنفقت على الدراسات أضعاف ما أنفقت على الأسر نفسها.
■ الاستقلال على حقوقهم… أم الارتهان لها؟
بدل أن تمنح التأزر للفقراء استقلالًا اقتصاديًا، جعلتهم يعتمدون على تحويلات موسمية لا تكفي لأيام قليلة. تحولت إلى علاقة “مانح–متلقي”، بدل أن تكون منصة تحرر اقتصادي.
الأخطر من ذلك، أن الفقراء أصبحوا يُشعرون بأن قوتهم اليومي مرتبط برضا مسؤول أو وسيط محلي، ما يخلق ارتهانًا سياسيًا مرفوضًا في دولة يفترض أن تكون الحقوق فيها مكفولة لا مَحْمُولة.
■ فشل في الأساس أم فشل في الإدارة؟
الحقيقة أن الإشكال ليس في فكرة الحماية الاجتماعية نفسها، بل في المنظومة التي أدارت المشروع بعقلية انتخابية لا تنموية. وفي غياب الشفافية، والدراسة الميدانية الحقيقية، والمتابعة، والرقابة المستقلة، تحوّل الحلم إلى كابوس إداري يبتلع الميزانيات دون أثر ملموس على الأرض.
■ التأزر… كارثة العصر أم فرصة ضائعة؟
بقدر ما هو مشروع فاشل اليوم، بقدر ما يمكن أن يكون نقطة تحول إذا أعيد توجيهه نحو:
- الفقراء الحقيقيين لا الطبقات المحظية؛
- مشاريع استدامة بدل المنح الموسمية؛
- تمكين اقتصادي حقيقي؛
- شفافية وبيانات ميدانية؛
- رقابة مستقلة تضع حدًا لسوء التسيير.
لكن إلى أن يحدث ذلك، ستظل تأزر عنوانًا صارخًا لفشل الدولة في أهم اختبار: حماية مواطنيها الأضعف.
وسيظل الفقراء يسألون:
لماذا صار مشروعنا في يد أغنياء لا يشعرون بنا؟
