
الراصد : كشفت صحيفة The Telegraph البريطانية، في تحقيق استقصائي مطوّل، عن هوية عثمان علي، أحد أبرز المطلوبين في قضايا تهريب البشر، والذي يُشتبه في أنه يقف وراء واحدة من أبشع الكوارث الإنسانية المرتبطة بالهجرة غير النظامية من موريتانيا إلى أوروبا. ورغم صدور مذكرة توقيف دولية بحقه، تمكنت الصحيفة من تتبّعه إلى بلدة صغيرة شمال إيطاليا حيث يعيش بحرّية تامة ويدير سلسلة من المشاريع التجارية.
وأوضحت الصحيفة أنها، بعد تحقيق استمر تسعة أشهر، تتبعت علي حتى بلدة توربيغو في مقاطعة ميلانو الإيطالية، حيث يقود سيارة مرسيدس سوداء ويُشغّل عدداً من العمال الأجانب ضمن شبكة من المؤسسات التي يمتلكها. وعند مواجهته بالاتهامات على عتبة منزله، نفى جميع المزاعم قائلاً:
“لست بحاجة إلى التهريب لأنني أملك المال بالفعل”،مشيراً إلى أن أعماله “الناجحة” تدرّ عليه نحو 50 ألف يورو شهرياً.
وبحسب The Telegraph، فقد بدأ عثمان علي حياته عاملاً في متجر صغير في مدينة «وزيرآباد» الباكستانية براتب لا يتجاوز خمسة جنيهات شهرياً، قبل أن يتحوّل إلى أحد أخطر مهربي البشر في العالم، يجني من نشاطاته غير القانونية آلاف الجنيهات الإسترلينية من كل مهاجر مقابل رحلة محفوفة بالموت.
وحددت الصحيفة علي كأحد المنظمين الرئيسيين لحادثة قارب الموت، التي تُعدّ من أسوأ المآسي في تاريخ الهجرة الباكستانية.
ففي يناير 2025، انطلق قارب من سواحل موريتانيا باتجاه إسبانيا وعلى متنه 80 مهاجراً تتراوح أعمارهم بين 11 و57 عاماً. وخلال الرحلة، احتجزهم المهرّبون وعذبوهم وطالبوا ذويهم بمزيد من الأموال، قبل أن يقتلوا معظمهم واحداً تلو الآخر، ويلقوا بجثثهم في البحر.
واستمرت الرحلة 12 يوماً من الجحيم، لم ينجُ منها سوى 22 شخصاً أنقذتهم السلطات المغربية في عرض البحر. وقد اضطر بعض الناجين إلى “شرب بولهم للبقاء على قيد الحياة”، حسب التلغراف.
أثار الحادث صدمة عالمية، ووصفته The Telegraph بأنه مجزرة إنسانية ارتُكبت على مرأى العالم. وعبّر الرئيس ورئيس الوزراء في باكستان عن حزنهم العميق، فيما أدرجت السلطات اسم عثمان علي لاحقاً في “الكتاب الأحمر”، وهو قائمة بأكثر المهرّبين والمجرمين خطورة في البلاد.
وأفاد متحدث باسم الحكومة الباكستانية أن قضية علي أصبحت “تحقيقاً ذا أولوية قصوى”، مؤكداً أن بلاده تنسق مع السلطات الإيطالية عبر الإنتربول وقنوات رسمية لتوقيفه.
وبعد تزويد السلطات الإيطالية بموقعه، ردّت بأنها “لا تستطيع التعليق على شؤون خاصة أو على تحقيقات جارية”، لكنها أشارت إلى اتفاق تعاون أُعلن في سبتمبر 2025 مع باكستان لتعزيز التنسيق بشأن ملف الهجرة ومكافحة التهريب.
ويواجه عثمان علي في باكستان اتهامات بتهريب البشر مع ظروف مشددة تتعلق بـ”المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”، إلى جانب تهم بالقتل والاتجار بالبشر وتحصيل رسوم غير قانونية مقابل العمل في الخارج.
وتصل العقوبات المحتملة إلى 14 سنة سجناً وغرامة قدرها مليونا روبية باكستانية (نحو 5,300 جنيه إسترليني). إلا أن القاضي قد يقرر تنفيذ العقوبات بشكل متتالٍ، ما قد يرفع المدة إلى 28 سنة سجناً.
أما الأرباح غير المشروعة التي جمعها علي، فهي تفوق بمئات المرات الغرامة القانونية، إذ دفع المهاجرون على متن “قارب الموت” ما يزيد عن 10,000 جنيه إسترليني لكل شخص لقاء الرحلة التي انتهت بموت معظمهم، حسب التقرير.
ويشير التقرير إلى أن فشل السياسات الأوروبية في كبح شبكات التهريب ساهم في استمرار المآسي، رغم تعهد قادة مثل سير كير ستارمر وزعماء أوروبيين آخرين بـ«تحطيم العصابات» المسؤولة عن تهريب البشر عبر البحر.
وتضيف الصحيفة أن الجهود الأوروبية لا تزال محدودة النجاح، إذ ما زال الآلاف يعبرون المسارات التقليدية إلى بريطانيا عبر القناة الإنجليزية في رحلات محفوفة بالموت.
وتخلص The Telegraph إلى أن حالة عثمان علي تُظهر كيف أن تداخل المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية يجعل من مكافحة التهريب ملفاً معقداً يتجاوز حدود الجغرافيا والقانون، مؤكدة أن موريتانيا أصبحت نقطة عبور رئيسية في هذه الشبكات، ما يستدعي تنسيقاً إقليمياً عاجلاً بين دول غرب إفريقيا وأوروبا.