ميوعة النخبة وأثرها في انهيار الأمم/سوناتور مصطفي سيدات

ثلاثاء, 12/08/2025 - 13:42

الراصد : خلق الله الألوان الناصعة؛ الأبيض، والأسود، والأحمر، والأخضر، وجعلها معيار الصفاء ومرجعية الألوان جميعها. وفي المقابل، أوجد في الكون ألوانًا مركبة متعددة، تبهج الناظر بجمالها، وتترك في النفس أثرًا قد يكون إيجابيًا أو سلبيًا، يختلف باختلاف الأذواق والتقدير. ومع ذلك، يظل اللون الناصع أصلًا ثابتًا لا يرقى إليه التقليد ولا الابتكار، إذ لم يتمكن البشر عبر محاولاتهم المتكررة من إنتاج ألوان مركبة جديدة تضيف قيمة حقيقية، بل أدت هذه المحاولات في كثير من الأحيان إلى طمس الأصل، وتشويه صفائه، واستبدال النقاء بالمسخ، والوضوح بالالتباس.

وكما هو الحال في عالم الألوان، فإن الحق يظل حقًا، والباطل يظل باطلًا، مهما اتسعت مساحة الخلط، ومهما تكاثفت طبقات التضليل.

ومنذ فجر الاستقلال، تعيش موريتانيا تحت هيمنة نخبة مائعة، تزداد ابتعادًا عن الحقيقة يومًا بعد يوم، وتنأى عن قيم الفضيلة والنبل بقدر ابتعادها عن القيم الدينية والاجتماعية الراسخة. لقد شهدت العقود الأخيرة تصاعدًا لافتًا في الممارسات المنحرفة داخل أوساط النخبة والقيادات الاجتماعية، من نفاق وكذب وتملق، حتى باتت المحاباة والتحايل والغش والرشوة والتزوير والزبونية والمحسوبية والتسول السياسي سمات بارزة في سلوك الكثيرين، غايتهم من ذلك جني مكاسب السلطة عبر مسالك مشبوهة.

أكثر من ستين عامًا من هذا الانحدار لم تُثمر إلا فقرًا متفشيًا، وحرمانًا متواصلًا، وتهميشًا واسعًا، وبطالة خانقة، وهجرة متزايدة، وتفككًا اجتماعيًا، وبثًا لبذور الكراهية بين الأفراد والفئات.

ويبقى السؤال المصيري: هل نملك، نحن الموريتانيين، مجتمعًا وأفرادًا، القدرة والإرادة الصادقة لمراجعة هذا المسار المظلم؟ وهل نستطيع العودة إلى الجذور النقية عبر توافق تأسيسي ورؤية متبصرة، تُعالج الأزمات الراهنة وتضع أسس مستقبل واعد، تسوده العدالة والحرية والانعتاق السياسي والاجتماعي، ويُحترم فيه القانون، وتُبنى فيه دولة الحق والحكامة الرشيدة؟

إن تحقيق ذلك يتطلب وعيًا جمعيًا حقيقيًا، وإرادة موحدة، ومسعى مشترك، ويظل الأمل معقودًا على الحوار الوطني المرتقب، بوصفه فرصة تاريخية ينبغي استثمارها قبل أن يفوت الأوان.