خطورة الحمولة الزائدة في موريتانيا: حوادث متكررة.. وأرواح تزهق بسبب تقصير الرقابة- موقع أخر قرار

ثلاثاء, 22/07/2025 - 17:36

الراصد : تشهد الطرق السريعة في موريتانيا تفاقماً خطيراً لحوادث السير المرتبطة بالحمولة الزائدة للمركبات، ما بات يشكل تهديداً مباشراً لحياة المواطنين ويثير تساؤلات حول مدى جدية الرقابة المرورية وأثر هذا التقصير على السلامة العامة. هذا الملف الشائك بات نقطة اتفاق نادرة بين المعارضة والموالاة في البلاد، حيث يجمع الجميع على ضرورة التحرك الفوري لوقف نزيف الأرواح.

حوادث متقاربة ونزيف متصاعد:

في غضون 48 ساعة فقط، رسمت طرق موريتانيا لوحة دموية لحوادث مأساوية متقاربة؛ منها حادث أغشوركيت الذي راح ضحيته شخص واحد وأدى إلى إصابة آخرين، والحادث الذي سبقه بسقوط خمسة قتلى، مما يعكس جانباً خطيراً من الإهمال في ضبط شروط الحمولة على المركبات التي تستخدم بشكل مكثف في النقل داخل البلاد.

وتتضاعف المخاطر مع استمرار التساهل في تطبيق قوانين السلامة، حيث تؤدي الحمولة الزائدة إلى تقليل قدرة السائق على التحكم في المركبة، خصوصاً في ظروف الطرق الصحراوية والتقلبات الجوية، ما يجعل الحوادث أكثر فتكاً وأكثر تعقيداً من الناحية الإنقاذية والطبية.

المراقبون يؤكدون أن التقصير في فرض قوانين السلامة وغياب رادع قوي ضد المخالفين يغذي هذه الظاهرة، محذرين من استمرارها بدون إجراءات صارمة من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الوفيات والإصابات، ويزيد من الأعباء الاجتماعية والاقتصادية على الأسر والمجتمع.

خطورة الحمولة الزائدة على الأرواح وسلامة الطرق:

تُشكّل الحمولة الزائدة على السيارات والمركبات تهديدًا كبيرًا لسلامة الركاب وسير الحركة على الطرق، خصوصًا في المناطق التي تشهد تدفقًا مروريًا كثيفًا وتفتقر إلى رقابة صارمة على الالتزام بالقوانين المرورية.

من الناحية الأمنية، تؤدي الحمولة الزائدة إلى زيادة مسافة التوقف للسيارات، ما يصعب على السائق التوقف في الوقت المناسب خلال حالات الطوارئ، مما يزيد احتمالات وقوع الحوادث. كما تقل قدرة السائق على التحكم بالسيارة، حيث يؤثر الوزن الزائد سلبًا على نظام التوجيه والفرامل والإطارات، ويرفع من خطر الانقلاب خاصة في المنعطفات. هذه العوامل مجتمعة تعرض حياة الركاب للخطر المباشر، وقد تؤدي إلى خسائر بشرية جسيمة.

أما من ناحية السلامة الحركية، فإن الحمولة الزائدة تضع ضغطًا إضافيًا على البنية التحتية للطرق، فتتسبب في تدهورها بسرعة، مثل تشقق الأسفلت وتلف الحواجز، ما يخلق ظروفًا غير آمنة لجميع مستخدمي الطريق. كذلك، الحمل الزائد يسبب تطاير الأغراض من المركبات، ما يؤدي إلى مفاجآت طرقية تدفع السائقين إلى القيام بمناورات مفاجئة ومحرجة تزيد من احتمال الحوادث، خاصة تصادم المركبات ببعضها.

إجماع سياسي على ضرورة التحرك:

يتفق المعارضون والمؤيدون للنظام في موريتانيا على خطورة التغاضي عن ظاهرة الحمولة الزائدة للمركبات والسيارات على الطرق السريعة التي تربط المدن الكبرى ونواكشوط. ورغم اختلاف المواقف السياسية، يشتركون في التأكيد على أن تساهل الجهات المعنية في مراقبة الحمولة الزائدة يؤدي إلى زيادة حوادث السير بشكل كبير ويشكل تهديدًا مباشرًا لحياة المواطنين وسلامة الحركة المرورية.

يرى المعارضون أن التقصير في الرقابة يعكس خللاً إدارياً وقصوراً في تطبيق القوانين، مطالبين بضرورة اتخاذ إجراءات أكثر صرامة وشفافية لضمان حماية أرواح الناس، وتوجيه استثمارات فعلية لتعزيز البنية التحتية وخدمات الطوارئ على الطرق.

من جهة أخرى، يؤكد المؤيدون للنظام حرص الحكومة الحالية على تحقيق توازن بين تطوير الطرق السريعة وتطبيق قوانين السلامة المرورية، مع الإقرار بوجود تحديات تستدعي تعزيز قدرات الرقابة ودعم الأجهزة الأمنية المسؤولة عن تنفيذ القوانين بشكل فعال.

“المشكلة ليست في الطرق… المشكلة فينا نحن”:

وفي إشارة بارزة تعكس عمق الإشكالية، كتب الصحفي عبد الله اشفاغ المختار، المعروف بتأييده للنظام، تدوينة حادة حول هذه الظاهرة، قال فيها: “هنا تكمن المشكلة (الصفحة مقرصنة).. عندما تتغاضى السلطات عن الحمولة الزائدة، فإنها تكون مسؤولة عن أي حادث بسببها.. عندما تنشغل السلطات بأوراق السيارة، وتغفل عن جاهزيتها الفنية، تكون مسؤولة عن أي حادث عائد إلى الفرامل أو إطارات السيارة.. عندما تكون ‘هدية الناقل’ مقبولة أو مفروضة من طرف السلطات، مقابل تغاضيها عن كل شيء، تكون مسؤولية عن كل سبب من أسباب الحوادث.. وعندما يكون طلب عناصر الشرطة والدرك كبيراً من أجل التحويل إلى الطريق ‘كذا’ و’الحكمة كذا’ و’الربطه كذا’ و’البوسطه كذا’، فذلك يعني أن الهدف من طلب التحويل هو ‘كذا’.. ما المانع من البحث عمّن يؤتمن على حياة الناس، لكي يسند إليه أمن الطرق؟ ليست المشكلة في الطرق الآن.. المشكلة فينا نحن المواطنين، وفي السلطات المعنية..”. هذه التدوينة، على الرغم من تصدرها من جهة محسوبة على تيار المؤيدين، تؤكد حجم الأزمة وتلقي الضوء على جوانب الفساد والتقصير التي قد تكون سبباً رئيسياً في تفاقم هذه الظاهرة.

دعوات للتحرك الوطني الشامل:

من هنا، يطالب المختصون بضرورة تفعيل آليات الرقابة على الحمولة، تعزيز دور دوريات الأمن المروري، وتوعية السائقين بأهمية الالتزام بالحدود القانونية للوزن، إلى جانب تحسين تجهيزات الطرقات وخدمات الإسعاف السريع. كما تدعو هذه الجهات إلى تنسيق الجهود بين الهيئات المعنية لضمان سلامة جميع مستخدمي الطرق السريعة، وبذل جهود وطنية حاسمة لحماية الأرواح والقضاء على ظاهرة الحمولة الزائدة التي باتت تهدد الأمن والسلامة العامة.

يظل الإجماع على أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب رفع مستوى التنسيق بين الجهات المعنية، وتكثيف حملات التوعية، وفرض عقوبات رادعة ضد المخالفين، مع الاستمرار في تحسين البنية التحتية لدعم السلامة المرورية وحماية المستخدمين على الطرق. غياب الرقابة الفعالة والتساهل في تطبيق القوانين لم يعد قابلاً للتبرير في ظل الإحصاءات المأساوية وآثارها على المجتمع، ويجب أن يشكل تحذيراً قوياً لدولة موريتانيا ومؤسساتها الأمنية للقطع نهائياً مع هذه الظاهرة الخطيرة.