الراصد : يتعلق الأمر في الواقع بالتعليق علي القرار رقم 2020/118 القاضي منح الافراج المؤقت لاحد المدانيين في ملف إستنفد جميع طرق الطعن العادية وتم نقض القرار في الأصل الصادر بشأنه من طرف محكمة الاستئناف وإحالة القضية الي تشكيلة مغايرة وهي ذات التشكيلة التى أصدرت قرار الإفراج محل التعليق.
فوجه الاشكال فيما يتعلق بهذ القرار ينصب في الواقع علي مدى إختصاص محكمة الإحالة في منح الافراج المؤقت وما إذاكان بمقدورها الاستناد علي ماتضمنته المادة 144 من قانون الاجراءات الجنائية من احكام كأساس لذلك .
نسجل في مستهل هذا التعليق أن المشرع الموريتاني حينما نص في الفقرة قبل الاخيرة من المادة 144 من قانون الاجراءات الجنائية علي أنه في حالة تقديم طلب نقض لم يقع البت فيه بعد تبت في طب الافراج المؤقت آخر محكمة نظرت في موضوع القضية ، إنما أورد تلك الاحكام علي سبيل الاستثناء بحيث اتجهت ارادته الي تطبيقها في حدود ضيقة وفي حالات محددة ، كما نسجل كذلك بوجه عام أن المشرع الموريتاني لم يخول محكمة الإحالة الحق بالنظر والبت في الطلبات الاستعجالية المثارة بشأن القضايا المحالة اليها من منطلق أن رقابة المحكمة العليا في هذه الحالة تنصب علي أصل القضية موضوع الإحالة ونقضها لقرار محكمة الاستئناف إنما يتعلق بما شاب القرار محل الطعن من خرق وبيان أوجهه في قرار الإحالة وما يتعين عليها أن تصلحه مما أخطأت فيه سابقتها ، فمناط وحدود اختصاص محكمة الإحالة ينصب في الواقع علي حقيقة ما أثاره قرار المحكمة العليا دون غيره وأي إجراء خارج تلك الحدود يتنافي مع القانون وفلسفة المشرع الهادفة الي المحافظة علي حسن سير الدعاوي ووضع حد لإطالة أمدها وهو ما يتفق مع ما نصت عليه المادة 560 من قانون الإجراءات الجنائية حينما الزمت محكمة الإحالة بالبت في القضية في ظرف شهر مع مراعاة قرار المحكمة العليا فيما يتعلق بما تمت إثارته من طرفها .
فتعهد محكمة الاحالة بمنح الحرية المؤقتة للمتهم لا يخرج عن أحد احتمالين إما أن تكون قد بتت بوصفها محكمة إحالة أو بصفتها آخر محكمة بتت في القضية وإن تغيرت تشكيلتها وفي كلتا الحالتين تكون قد جانبت الصواب ولم تعر اهتماما لقواعد الاختصاص مما يعرض ما قامت به للنقض أمام المحكمة العليا ذلك أن هذه الاخيرة حينما بتت في الطعن المقدم أمامها تكون قد أخرجت من مجال تطبيق المادة 144 من قانون الاجراءات الجنائية محكمة الأستئناف صاحبة القرار محل النقض علي اعتبارانها لم تعد آخر محكمة بتت في الموضوع ومحكمة الاحالة باعتيارواقع وحدود مجال اختصاصها ، مما يجعل إستناد محكمة الاحالة في منح الحرية المؤقتة علي ما اثاره دفاع المدان من أن مجرد نقض الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا لقرار محكمة الاستئناف يجعل قرار هذه الأخيرة كأن لم يكن وبالتالي يخول المدانيين الحق في الاستفادة من وضعيتهم السابقة علي صدور هذا القرار ، أمر في غير محله وذلك من منطلق أن المحكمة العليا حينما تلغي قرار محكمة الاستئناف لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار قضائها بمثابة إعادة للقضية الي الحالة التي كانت عليها قبل صدور القرار الملغي ، فمحاولة فهم القضية علي هذا الوجه إنما يعني أن أثر قرار المحكمة العليا لا يخرج من أحد إحتماليين أحدهما إعادة القضية الي الحالة التي كانت عليها قبل صدور حكم محكمتي الدرجتين الأولي والثانية وثانيهما أن مجرد الغاء قرار محكمة الاستئناف يجعل من حق أطراف الدعوي الاستفادة من وضعيتهم السابقة علي القرار الملغي أو بتعبير آخر اعتماد ما توصلت اليه محكمة الدرجة الأولي في حكمها ، وفي كلتا الحالتين يعد مثل هذا الفهم فهما شاذا لكون رقابة المحكمة العليا لا تنصب علي ما قبل قرار محكمة الاستئناف مما يعني أن أثرها لا يتعدي الي ما تم صدوره من اوامر واحكام سابقة علي القرار محل النقض بما في ذلك حكم محكمة الدرجة الأولي ، ولعدم إستناد هذا الفهم علي أساس قانوني أو سابقة قضائية أو ممارسة واقعية ، بل إن من شأنه أن يصيب المساطر القضائية بالإرباك الشديد ويفتح المجال أمام إعطاء أثر لم يعطيه المشرع لقرار النقض فتتغير مراكز الأطراف قبل صدور قرار محكمة الإحالة بشأن القضية ، وهي كلها امور تدل علي أن إرادة المشرع قد اتجهت نحو الحد من إختصاص محكمة الإحالة بحيث لايتجاومز مجال ماعهدتها به المحكمة العليا.
والله اعلم
القاضي/ عبدالله اندكجلي