الراصد : في انتخابات نقيب وأعضاء مجلس الهيئة الوطنية للمحامين الموريتانيين التي تم تحديد تاريخ إجرائها بعد قرار المحكمة العليا تأجيلها عن تاريخها المحدد أول مرة من مجلس الهيئة، صوت لصالح النقيب المنصرف إبراهيم ولد أبتي (60) محاميا، وانتخب (146) منهم بونا ولد الحسن نقيبا جديدا للهيئة، بينما حصل المرشح المستقل إبراهيم ولد أدي على (81) صوتا، في حين اكتفى المرشح "المنسحب" عمر محمد المختار الحاج ب (3) أصوات، وهي ذات النتيجة التي حصل عليها في انتخابات 2020.
عجب البطاقات اللاغية! يبطل بمعرفة السبب
في هيئة ناخبة يفترض أن المستويات التعليمية لأعضائها تبدأ من درجة "المتريز" زائدا لسنتي تكوين للحصول على دبلوم الكفاءة، أو زائدا لثلاث سنوات لإحراز شهادة دكتوراه سلك ثالث على الأقل، يكون وجود بطاقات تصويت لا غية على نحو ما تم الحديث عنه في هذا الاقتراع أمرا بالغ الغرابة، وفى الواقع فالذى حصل فعليا هو وجود أكثر من بطاقة محايدة ؛ منها (1) صريحة وضع صاحبها تصويته في الإطار المخصص للحياد، بينما عبر (2) عن الحياد " حياد سلبي" بعدم التصويت لأي من المترشحين، واختار (2) التصويت لكل المترشحين تعبيرا عن "حياد إيجابي". أما باقي البطاقات التي عدت لا غية فقد عبر أصحابها عن خياراتهم لكن ذلك جاء خارج الإطار المخصص واتفاق لجنة الفرز هو الذي أقر إلغائها وكان بالإمكان تصور الاتفاق على خلاف ذلك.
إبراهيم ولد أبتي ...والعدد ستين...!
في السادس من أغشت سنة 2020 انتخب المحامي العتيد إبراهيم ولد أبتي نقيبا خلال الشوط الثاني من انتخابات الهيئة الوطنية للمحامين، ليصبح بذلك النقيب الحادي عشر في تاريخ الهيئة.
بعد تسعة عشر يوما من ذلك التاريخ، وفي أول خرجة له كنقيب للمحامين أعلن ولد أبتي في 25 أغشت 2020 أن الدولة قررت انتداب 60 محاميا للدفاع عن مصالحها باعتبارها طرفا مدنيا في ملفات شبهات فساد تمت خلال حكم الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز (2009/ 2019)، فيما عرف إعلاميا بملف العشرية.
الستين (60) التي منها خلقناكم ...
حقيقة وجود لفيف الستين محاميا الذين تعاقدت معهم السلطة برئاسة نقيب الهيئة الوطنية للمحامين شخصيا ممثلا للسلطة الحاكمة في قضية موجهة ضد رئيس جمهورية خرج للتو من السلطة ومتلبس بممارسة السياسة من موقع المعارضة للنظام القائم، تكشف درجة التحول التي طرأت على الهيئة ونقيبها الجديد بدرجة أكبر.
في القضايا الكبرى التي تولى ولد أبتى الدفاع فيها عن متهمين من طرف السلطات الحاكمة كان ميزان القوة فاصلا في تحديد تموقعه كمدافع شرس عن حقوق الإنسان، لم يلتفت يوما ولا مرة للتلاقي في القناعات مع المتهمين أو إلى درجة خطورة ما اقترفوا أو يتهمون باقترافه من أفعال مع أنها في الغالب الأعم كانت من قبيل:" قلب نظام الحكم، التصفية العرقية ..." التي هي أكثر خطورة من تهم الفساد موضوع ملف العشرية وتعهيد لفيف الستين.
ذلك الإبراهيم لم يكن ليترشح وحري به إن فعلها أن لا يفوز، لكن الذي نجح هو هذا الذى تكاتفت عدة عوامل ليحقق الفوز بنقيب المحامين:
-علاقته وحزبه برجل الأعمال محمد ولد بوعماتو الذي تلاقت رغبته مع رغبة ألد أعداء الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز داخل النظام في ضمان انخراط العدد الأكبر من المحامين المؤثرين على المستوى الخارجي في ما يتم تدبيره ضد الرئيس عزيز، سبيلا لحرمانه من الحصول على أي تعاطف داخل تنظيمات المحامين الإقليمية والدولية.
-حضر كذلك في إيصال ولد أبتي لنقابة المحامين، أهمية حزب التكتل بالنسبة للسلطة حينها، حيث كانت مواضيع المسار الانتخابي المزمع، ومسار ملف العشرية بحاجة لضمان تأييد حزب المعارضة الأشهر.
-استعداده للسعي لتحقيق أغراض لفيف الستين، الذي يترأسه اسميا، ولو على حساب الهيئة التي ناضل من خلالها ضد الاستبداد، وكون اسمه الذي هو رأسماله، حيث غاب أي وجود للهيئة الجامعة للمحامين غيابا تاما بمناسبة نظر القضاء لملف بحجم ملف العشرية، فظهروا فرقاء يتصرفون من واقع مصلحة الأطراف التي يمثلون.
- فوق التوظيف فى رئاسة لفيف الستين القبول بشروط مرشح الحزب الحاكم التي تضمنت مقابل تراجعه عن الترشح تعهد ولد أبتي بعدم الترشح في مواجهته نهاية مأموريته اليتيمة ودعمه للفوز بها.
حين انقضت المأمورية التي يفترض أن تكون يتيمة بالاتفاق عند المبتدأ، المعضد بضعف الحصيلة عند الخبر، أخطأ النقيب إبراهيم ولد أبتي مرة أخرى حين لم يقرأ المعطيات بشكل موضوعي، فقد جرت سيول غامرة تحت الجسر منذ انتخابه في 2020...
... ومنها نخرجكم
أكبر خطأ يكون وقع فيه ولد أبتي هو أن يصل للاعتقاد في يوم من الأيام أنه كان مرشحا للسلطة؛ فدعمها لترشحه سنة 2020 كان على شرط من مأمورية لا لاحقة عليها، واحدة لأنها قدرت أنها كافية لحسم سير ملف العشرية.
لم تقدم السلطة خلال مأمورية ولد أبتي على دعمه من خلال اتخاذ خطوة إيجابية خاصة اتجاه المحامين: تعديل في النصوص لمصلحتهم، وعود بمنح قطع أرضية ...لتسويق نفسه داخل الهيئة.
ولذلك لم يكن في احتلال ولد أبتي للمرتبة الثالثة في الاستحقاق الأخير بحصوله على أصوات عدد (60) محاميا من مجموع أكثر300 مصوت من مفاجأة، بعد أن انتفت عوامل الإكراه التي دفعت السلطة للقبول به؛ من قبيل انتهاء الانتخابات التشريعية والنيابية والجهوية بغياب حزب تكتل القوى الديمقراطية عن البرلمان والجهة وحتى البلدية، وما تبعه من فتور في التواصل بين السلطة وزعيم الحزب. ومن جهة أخرى، وصول علاقة تلك السلطة مع رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو لمرحلة ما قبل التصادم المباشر في أفق الحديث عن تردده بين الترشح شخصيا للرئاسة أو دعمه لمرشح ينافس به الرئيس المنتهية ولايته أو من يرشحه.
حقيقة مرشح السلطة
من بين المتنافسين على منصب نقيب الهيئة الأوفر حظا، وحده إبراهيم ولد أدي من اختار الاستقلالية عنوانا لترشحه، الاستقلالية عن السلطة طبعا، ولكن أيضا عن كل الفرقاء السياسيين وهو المستقيل عامه هذا من حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي ناضل فيه منذ فجر الحدث الديمقراطي في موريتانيا.
معركة الفوز بلقب مرشح الدولة احتدمت بين ولد أبتي وولد الحسن أملا في استقطاب أكبر عدد من الأنصار.
أعطى ولد أبتي لنفسه صفة مرشح الدولة معولا على مركزه كرئيس لفريق الستين الذي يتولى تمثيل السلطة والدولة في ملف العشرية، وإحجام الأستاذ محمد الأمين ولد أعمر عن الترشح كما كان مقررا بحسب تفاهمات انتخابات 2020.
ما حصل من الدولة مع ولد أبتي كان استدراجا للرجل لقتله بالسماح له بالترشح أولا ، ثم لاحقا حرق جثته من خلال نتيجة التصويت ، حتى لا يبقى منه شرر، فمعظم الشر من مستصغر الشرر؛ منعه الترشح أصلا ، أو تأييد غيره صراحة أو الامتناع عن تقديم دعم له مطلقا ، أمور كانت لتثير حفيظة الرجل وتعجل بخروجه من قبضة وفلك السلطة ، لذلك تم تحريره من الوفاء بالالتزام بعدم الترشح لمـأمورية ثانية ، و اقترن ذلك بعدم تعيين مرشح حزبي لنقيب المحامين ، وحين استوعب ولد أبتي أن كل ذلك لا يعني تدخل السلطة بالوسائل والآلية التقليدية لأطر الجميع على انتخابه ، بادرت الجهات الرسمية إلى تمكينه من طلب وقت مستقطع من المحكمة العليا يسخر للدعاية الرسمية لإنجاحه ، غير أن نتيجة ذلك التدخل كانت خسارة معنوية متأتية من تعريضه الهيئة لتدخل القضاء ما فاقم النقمة عليه داخل أوساط المحامين الحريصين على استقلالية الهيئة ، وفى نفس الوقت لم يتم الإعلان خلال الوقت المستقطع عن أي انسحابات لصالحه من مناصري منافسيه.
المرشح الفائز في انتخابات الشوط الوحيد بونا ولد الحسن ليس سوى المحامي الذي آزر الوزير المكلف بالديوان المختار ولد إجاي عندما كان متهما في ملف العشرية، ما يعنى بالمنطق البسيط أن جزء من السلطة كان داعما لهذا المرشح، وأن ذلك الدعم قد شمل الدعاية والدعوة للتصويت لصالحه، ولكن أيضا الدفع للتراخي والإحجام عن تبني المرشح الآخر ولد أبتي الذي كان على الضفة الأخرى للملف.
مكتب النقيب الجديد الأستاذ بونا ولد الحسن كان المقر الذي استقبل المحامي المتدرب محمد الأمين ولد أعمر في بداية ولوجه للمهنة، وثلاثتهم تجمعهم روابط وشائجية هي التي جعلت ترشح ولد أعمر لنقيب المحامين بمناسبة انتخابات 2020 في أفق دور لذلك النقيب ضمن الفريق الممثل للدولة في ملف يتهم فيه المختار ولد اجاي غير وارد مطلقا. ونفس المنطق يتكرر مع إعلان عميده وحليفه ولد الحسن عن ترشحه لمنصب النقيب، وخصوصا بعد إسناد رئاسة الفريق البرلماني لحزب الإنصاف للمحامي النائب ولد أعمر عقب انتخابات كان ولد اجاي أحد صانعي الانتصارات فيها، وراسمي ما أنجر عنها حتى قبل تعيينه وزيرا مكلفا بديوان رئيس الجمهورية.
ما حصل عليه النقيب المنتخب من دعم داخل أجهزة الدولة لم يقتصر على من له معهم روابط وشائجية، إذ استفاد كذلك من دعم رفاق النضال والنهج المنتشرين داخل مراكز مؤثرة في جميع مفاصل الدولة وحزب الإنصاف، لذلك كان عمليا أكثر تمثيلا للدولة من زمليه النقيب المنصرف إبراهيم ولد أبتي الذي بعد أن وقر في قلبه أيام معارضته وصدقته الممارسة أن السلطة القائمة لا تخسر الانتخابات، ها هو يعيش ليوم يراها فيه تهزم على هذا النحو، لكن حظه العاثر جعل تلك الهزيمة توافق يوم توهم هو أنه كان مرشحها الذى لن يكون استثناء على القاعدة.