
الراصد : في سياق موريتاني مثقل بالتاريخ و بالذاكرة الجريحة، لا يكفي أن ترفع صوتك لتكون حاضرا و لا أن ترفض لتكون مقاوما ، وحدهم أولئك الذين يفهمون تعقيد اللحظة ويحولون الغضب إلى رؤية و الموقف إلى مشروع هم من يصوغون المعنى العميق للسياسة .
و في هذا المنعرج بالذات يطل الرئيس بيرام الداه أعبيد كحالة سياسية استثنائية لا بتمرده فقط على واقع فرض نفسه بل بقدرته الفائقة على الانتقال من نبرة الصدع إلى مشروع التأسيس ، إن الرئيس بيرام الداه أعبيد الذي كان صوته في الماضي مطرقة على جدار الصمت يتحول اليوم إلى مهندس لجغرافيا التقاطع حيث لا يعود الخصم خصما أبديا بل الكل جزء من معادلة تتغير و يعاد فيها تعريف الموقع من حيث المبدأ لا من حيث المزاج السياسي . السياسة عند الرئيس بيرام لم تعد مرآة للغضب الشعبي فحسب بل أداة لتفكيك البنى العميقة التي كرست الانقسام و ثقافة الاستبعاد و ترييف الدولة إن خطابه الجديد لا يصدر عن ترف براغماتي بل عن وعي حاد بأن الاستمرار في معركة قول الحق وحده دون بناء جسور الممكن هو شكل آخر من الاستسلام .
إن لقاءاته الأخيرة التي أثارت الدهشة عند البعض ليست تقلبا في المواقع بل تمرينا معقدا على إعادة هندسة المفاهيم من السياسة كرفض إلى السياسة كتحول و من الخصومة كإلغاء إلى الاختلاف كمدخل لإنتاج المعنى فهو لا يسعى إلى هدنة سياسية بل إلى هدم الجدران النفسية التي عطلت قيام دولة المواطنة . من هنا يصبح الحوار المرتقب ليس مجرد محطة ضمن لعبة التناوب الموسمي بل اختبارا لنضج النظام ، إلى فضاءٍ أكثر صدقا حيث السياسة فن الوجود المشترك رغم التناقض ، الرئيس بيرام لا يهادن بل يعيد تشكيل الصراع بما يجعل منه أداة بناء لا أداة هدم إنه ينتقل من الاحتجاج على الدولة إلى الاشتغال على الدولة و هذا الفرق جوهري . فالمعارضة ليست فقط أن تقول لا ، بل أن تمتلك رؤية لـنعم الممكنة حين تتوفر شروطها المستعصية حتى الساعة.
إن اشتراطه لضمانات الحوار ليس نزعة مشروطة بل شرط تأسيسي لا عدالة بلا عدالة انتخابية و لا تعايش سياسي دون أرضية صلبة من الثقة و الاحترام و هذه ليست مطالب نخبوية بل أساس أي انتقال ديمقراطي متماسك لا يبنى على التوافقات الهشة بل على وضوح القواعد و رسوخ المؤسسات . الرئيس بيرام الداه أعبيد تجاوز صورة المناضل في وجه الجلاد إلى صورة الفاعل التاريخي في قلب التحول ، واضعا الوطن لا في خانة الشعارات بل في ورشة المعنى حيث لا تنتج الهوية من الخوف و لا تدار الدولة من فوق بل تنبثق من إرادة جماعية تحررت من الثنائية القاتلة نحن و هم بهذه الروح لا يكون الحوار مجرد لقاء بل يكون انبثاقا سياسيا جديدا لا بد أن نكون جميعا جزءا من معناه .
مكي السالك عبد الله عضو و ناشط في منظمة إيرا الحقوقية و عضو في حزب الرك
أنواذيب بتاريخ : 05\08\2025