الراصد : أخيرا حسم الجدل بشأن سبب وفاة المرحوم عمر جوب، واستلمت أسرته الجثة، وشرعت في إجراءات الدفن، حيث بات واضحا أن المعني توفي بسبب تفاقم تأثير الكوكاكيين الذي تجرعه فترة قبل وفاته.
جاءت سكتة قلبية وحالة معوية عصيبة، جراء تعاطي جرعة عالية من المخدرات.
كانت جرعة المخدرات التي قضت على الراحل ضئيلة مقارنة بجرعات العنف التي صببها متطرفون غاضبون على مناطق متعددة من البلاد، وبدعم وتحريض من سياسيين محليين وآخرين خارج البلاد.
خلال ساعات قليلة بعد إعلان وفاته حول بعض النواب الجدد، وبعض السياسيين المرحوم جوب إلى بطل قومي، وجعلوا من قضية قميص عثمان.
وجهت كثير من الإدانات والشتائم والهجاء إلى الجهاز الأمني للدولة، وتوالت موجات العنف المنظم في نواكشوط، ونواذيبو وازويرات وفي روصو، وكيهيدي وبوكي، وقد شهدت هذه الـأخيرة واحدة من أعنف التظاهرات العنصرية الغاضبة، وأصيب أثناءها عدد من عناصر الشرطة بكسور وجراح، قبل أن يطلق أحدهم رصاصة أردت أحد المتظاهرين أثناء محاولته اقتحام المفوضية.
أخذ العنف طابعا شرائحيا ولغة عنصرية، واستطاعت الدولة بعد أيام فرض سيطرتها، بعد أن قطعت شبكة الانترنت عن الهواتف المحمولة، وبدأت في تتبع خيوط تنظيمات العنف التي يؤطرها سياسيون محليون وشبكات تنسيق متعددة.
ثمة سيناريوهات متعددة لما حدث أبرزها:
وجود أجنحة توتير داخل النظام دفعت عبر شبكات فوضوية من اللصوص إلى أثارة الغضب إحراجا للنظام، وسعيا إلى إرباك توجهاته، وتتحدث بعض المصادر عن صراع صامت بين عدد من الرؤوس الأمنية للنظام، والتي يعمل بعضها من أجل إضعاف البعض الآخر، خصوصا أن تغييرات واسعة مرتقبة ستطال مختلف القيادات، التي سيغادر عدد منها بسبب التقاعد، وآخرون بسبب عدم رضا النظام عن أدائهم.
وجود تنسيقيات عنصرية: متعددة تدير عملها عبر مجموعات الواتس آب، وعبر تنسيقيات مجتمعية في الأحياء والمدن، إضافة إلى تجمعات في الأندية الرياضية، وهي على استعداد دائم لممارسة العنف دون رادع، وكثيرا من ازعجت هذه المجموعات العاصمة بسبب تافه مثل تأهل بعض الأندية الفرنسية أو السنغالية.
فوضى إقامة الأجانب، خصوصا أن أبناء بعض الجنسيات ولدوا في موريتانيا وترعرعوا فيها في وضعيات غير قانونية، ويمارس بعضهم ما يشاء من أعمال غير قانونية دون رادع.
ومن مختلف هذه الأسباب انطلقت شرارة العنف وأرهقت كاهل البلد وسمعة الدولة وقدرتها على الحسم الـأمني لعدة أيام.
هزة في جسم القضاء
ينضاف إلى هذه الوضعية ظهور ثغرة مؤلمة في عمل المؤسسات الأمنية والقضائية، حيث أظهرت المحاضر التي لجأت إليها الشرطة أن المرحوم جوب عمر متهم في قضية قتل عمد سنة 2018، ويقتضي الأمر أن يكون قد أحيل بالفعل إلى القضاء الذي يتوقع أن يحيله إلى السجن قبل الحكم عليه بالإعدام الذي يتحول دائما إلى سجن مؤبد.
وهكذا بعد فترة سيظهر جوب خارج السجن يتجول بسيارته في العاصمة، ويقيم بين ذويه، دون أن يعرف بالفعل هل توقفت إجراءات متابعته بتهمة القتل العمد عند الشرطة ولم تحله إلى العدالة، أم أن العدالة طوت ملفه فلم ينل محاكمة أصلا، أو حوكم ثم أخرجته يد نافذة من السجن.
يفرض الأمر أن يعاد سبر المسار الذي مر به ملف عمر جوب ليعرف من المقصر، ومن الذي أفرج عن متهم بالقتل ليتحول لاحقا إلى عنوان لأبرز أزمة مجتمعية وأمنية في عهد الرئيس الغزواني.
مراجعة جديدة للاستيراتيجيات الأمنية
تفرض الأحداث الأخيرة على نظام ولد الشيخ الغزواني مراجعة سياسية الأمنية بشكل عام، فرغم ما تم الحديث عنه من تطوير وتحديث للمنظومة الأمنية، ومن تطوير لاقتناء الوسائل ومن زيادة في عدد الأفراد، إلا أن أعمال العنف أظهرت أن المفوضيات وخصوصا في الداخل تشهد فقرا شديدا في الوسائل والأفراد والمعدات، حسب رأي البعض، ولولا تدخل الجيش في بوكي على سبيل المثال لكانت المدينة قد احترقت بالكامل، ولكانت مفوضية الشرطة وما فيها من عناصر أمنية قد قضي عليهم بفعل حجم التظاهرات.
ويتعلق الأمر نفسه أيضا بمدينة كيهيدي، حيث تدخل الجيش لفرض حماية أمنية على سوق المدينة، بعد أن هاجمتها أسراب من المراهقين الغاضبين المستعدين لإحراق كل شيء.
ومن بين أولويات المرحلة القادمة للنظام
تفكيك التنظيمات التحريضية التي تعمل على استغلال الأخطاء والاختلال لممارسات العنف والنهب وتهديد الأمن.
تفعيل قاعدة بيانات نوعية عن المجرمين وأصحاب السوابق، وتحديد مواقعهم ومتابعة تحركاتهم، ولاحقا جلبهم للعدالة الناحزة.
انتهاج سياسة جديدة تجاه الأجانب تضمن لهم الأمن والكرامة في الإقامة، وتقف بصرامة ضد الممارسات الضارة بالمجتمع أمنيا أو ثقافيا أو دينيا.
إقامة نظام طوارئ أمني قادر على التكيف مع الهزات غير المتوقعة وردات الفعل العنيفة.
تعزيز وسائل الأمن من الحماية ووسائل الفض السلمي للمظاهرات (سيارات مكافحة الشغب- صهاريج مياه- متاريس أمام المفوضيات)
إعادة البنية الإدارية للأحياء بما يضمن إعادة الاعتبار لمنصب رئيس الحي الذي يمكن من التعرف على المقيمين من المواطنين والأجانب وتنسيق التعاون بين الدولة والمواطنين.
تجريم التحريض السياسي ضد الدولة، ومساءلة السياسيين الذين يدفعون الجماهير الغاضبة إلى ممارسة العنف.
وبين هذا وذاك، يتساءل الموريتانيون هل سيتقدم أحد من نواب الضجة باعتذار للشعب الموريتاني، بعدما انجل الغبار وتبين له، أ فرس تحته ٱم حمار، أم أنه سيشكك في التقرير الطبي، ويعتبره لاغيا ومسيسا.
عن موقع الفكر