""الخيمة لكبيرة"" .. الموروث والمكتسب ------

خميس, 10/11/2022 - 12:25

الراصد: رغم أن صديقي خريج مدرسة عليا في فرنسا؛ ويعمل في وظيفة سامية ككبير للمهندسين في شركة تجميع حواسيب؛ وهو أيضا "بن ذوات" في بلده؛ إلا أن أحد نبلاء الشمال الفرنسي رفض زواجه من كريمته لأنه إفريقي؛ وحين لم تخضع البنت لضغوط العائلة النبيلة، قرر الوالد حرمانها من الميراث..!

"الخيمة الكبيرة" أو النبلاء أو أبناء الذوات أو الكبار.. سمهم ماشئت؛ هم أعلى درجات السلم السكاني في مختلف مناطق العالم، ولهم اعتبارهم في كل البلدان، كما لهم كلمتهم ووجودهم وفاعليتهم وسطوتهم، شاء من شاء وأبا من أبا.

وقد فشلت جميع الثورات والهزات التاريخية ضد الطبقية في أن تقضي على هذا القانون الكوني، فالعالم خلق هكذا، أو أريد له أن يكون، من الذي أراد ذلك..؟ ، لا أدري..! لكنني متأكد أنه صاحب إرادة قوية، وأن قوته تدعم إرادته..!

ورغم أنه قانون كوني، فإن له قيم تحكمه، واختلال موازينها قد يقضي على المكتسب من تلك المكانه، لكن الموروث منها يظل قابلا للترميم بشكل سرمدي، حتى لو أضاعه جيل أو أجيال.

وبعكس ماذهب إليه أحمدو ولد عبد القادر في رواية "القبر المجهول" فإن الواقع المعيش أثبت بما لايدع مجالا للشك بأن "عظم الغلظ مايرك" وأن الأصل الخسيس تظل بصاحبه لوثة خسة مهما علا شأنه، أو تم تشذيبه.

قضي بشكل شبه نهائي على دولة أولاد امبارك في الشرق، وضاع مجدهم، وتوالت القرون والسنون على ذلك وتفرقوا شيعا؛ ورغم ذلك ما زالت الجيوب الباقية منهم تحمل نفس صفات الفروسية والأنفة والكرم والنرجسية المحمودة، والابتعاد عن سفاسف الأمور، ولم تستطع أي آلة إعلامية أن تنقص من مكانتهم قنطارا ولا قطميرا.

وعلى العكس من ذلك، أثبت الواقع -والشواهد أكثر من أن تحصى- أن أي محدث نعمة أو مجد، تبقى به لوثة خسة مهما حاولنا الرفع من شأنه، أو رفع مكانته، أو التغاضي عن أخطائه. 

قد يقول قائل، إن اللوثة باقية في الذهنية الجمعية، وليست في الشخص؛ لكن أغلب من تبنوا تلك الرؤية في أوقات من حياتهم، عدلوا عنها في وقت معين، بعد مخالطة العابرين لضفة النبلاء من سكان القاع ومعرفتهم على الحقيقة.

والقيم التي تحكم نبل المكانة، منها الموروث، ومنها المكتسب، والمكتسب منها متاح للجميع ويمكن أن يرفع من مكانة أي وضيع، لكن الموروث منها يحتاج قرونا ليتم ترسيخه في العقلية الجمعية.

ولا بد هنا من التذكير بتشاؤم قدماء الدارسين حيال الأصل والجينات، وعيش الشخص في وسط ينعشها وينميها، حيث شدد معظمهم على أنها ستحول غالبا دون انتقاله للعلو، أو رفع مكانته في السلم، حتى لو تقدمت به الرحلة، فالطبع أغلب، وما "الإخشيدي" ودولة المماليك التي سامت أحرار مصر خسفا إلا مصداقا لذلك.

وفي الشق الثاني، فإن ضياع الجانب المكتسب من "كبر الخيمة"، وهو العلم والحلم والمال والسلطة؛ يقضي على الجانب الموروث منها، فمن غير المقنع بتاتا أن تنال الصدارة بناء على مجد بناه آخرون ولم تحافظ عليه ولم تساهم في تنميته، وهنا لن ينفعك قول "كان أبي" بدانق ولا نتلة.    

إن الطريقة الوحيدة للحفاظ على "كبر الخيمة" هي الألتزام بالقيم التي يبنى عليها، سواء كانت تلك القيم مكتسبة أو موروثة؛ وبالمقابل فإن القضاء على قيمة "كبر الخيمة" أمر غير سهل البتة، ولا يمكن أن يتحقق في قرن واحد، وحتى لو تحقق بعد قرن أو قرون، فإن إمكانية قيامه تبقى واردة مع قيام أي ثورة مضادة. 

وهنا لابد أن أشير إلى مسألة مهمة انطلاقا حديث الساعة؛ وهي أن بناء مجد ضائع، انطلاقا من هدم مجد قائم يحتاج إلى الكثير من المعارك، والمعارك في هذا الميدان تحتاج إلى الشجاعة أكثر من المكننة، وأول قيم الشجاعة هو احترام الخصم.

ثم إن المعركة معركة تغيير عقليات، وتغيير العقليات يحتاج التحلي بالمثُل، والتحلي بالمثل يحتاج لعلم وعقل وبذل؛ والدخول في المعارك بسلاح العاطفة وحدها محض الهزل..!

#ذكدو

الشيخ المامي

Cheikh Elmami