الراصد: تختلف الأزمة الموريتانية مع مالي عن تلك التي عاشتها مع السنغال بداية التسعينيات ( المنشور السابق ) واقعا ومعطيات ومآلات ولو أن الشرارة التي أشعلتهما واحدة تتمثل في قتل ونهب ممتلكات مواطنين موريتانيين ، ومن أهم تلك الإختلافات :
1 - يمكن أعتبار ما حصل للموريتانيين بالسنغال آنذاك، كان تداعيات صراع عرقي موريتاني داخلي ( أحداث 88 و 89 ) عبرت النهر للضفة الأولى حيث يوجد امتداد عرقي لضحايا تلك الأحداث، وهو معطى غير متوفر في الأزمة مع مالي ، فالشرارة كانت بمالي وليست ردة فعل على أمر حصل بموريتانيا بل العكس لم تقبل الأخيرة بتجويع الشعب المالي عبر الحصار الذي فرضته عليها مجموعة دول غرب إفريقيا (CEDEAO)، وبالتالي فردة الفعل المالية لها أسباب وأهداف جيوستراتيجية على الأرجح .
2 - صحيح أن السنغال وموريتانيا تربط شعبيهما علاقات مجتمعية، ولكن المواطن الموريتاني بالسنغال يبقى مهاجرا أو مستوطنا عكس الواقع في مالي التي يعتبر جزء من شعبها - خاصة في الشمال - امتدادا لشريحة البيظان ( لبرابيش، كنته، .... ) إضافة للمنمين والتجار الموريتانيين والمشيخات الدينية التقليدية، ومن ضمن هذا الإمتداد العرقي من يحمل السلاخ ويقاتل الحكومة المالية ويطالب حتى بالانفصال( شمال مالي ) ومنه مقاتلين في الحركات " المتطرفة " التي تنشط هي الأخرى هناك في حرب مع الجيش المالي .
3 - حكام مالي الجدد يقودون " ثورة عصيان " ضد التبعية لفرنسا، أثمرت حتى الآن طردا للقوات الفرنسية من مالي وإحلال روسية مكانها وانقلابات في دول إفريقية أخرى تتبنى نفس الفكر مع " صحوة " للقومية الإفريقية عند شعوب دول المنطقة خاصة لدى شعوب الدول التي فرضت الحصار على مالي واعتبرت تلك الشعوب ونخبتها حكوماتها " خائنة وعميلة " .
هناك شعبية كبيرة للعقيد Assimi Goïta لدى شعوب دول المنطقة التي ترى فيه توماس سانكرا جديد، فهو شاب من مواليد 1983 ( 37 سنة ) من جيل النخبة الإفريقية الصاعد، والده كان ضابطا في الجيش المالي، وتلقى تكوينا عسكريا بمالي ورواندا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وشارك في عدة مهام عسكرية خارج بلده قبل أن تسند إليه قيادة لواء النخبة العسكرية الذي قاد به حربا ضد الحركات المسلحة ثم قاد به إنقلابا عسكريا، ويصفه المقربون منه بأنه يهتم كثيرا بتفاصيل الأمور ... قبل اتخاذ أي قرار بشأنها.
4 - نعم، تربط موريتانيا والسنغال علاقات ومصالح اقتصادية ، ولكن كفة الحاجة فيها كانت دائما بالجانب السنغالي، وليس منحها أكثر من 400 رخصة صيد بالشواطئ الموريتانية بعيد مظاهرات بسينلوي ... عنا ببعيد، ووجود أكثر من نصف مليون سنغالي يعملون بموريتانيا ، أما العلاقة الاقتصادية والمصالح مع مالي فهي مختلفة شكلا ومضمونا، فحينما نتحدث عن ثروات موريتانيا فإننا نعطي اعتبارا لثروتها الحيوانية، وهذه الثروة من دون مراعي ومياه مالي مصيرها سيكون مجهولا، وأتحدث هنا عن مواشي البلد من ضواحي مدينة كيفه إلى الحدود مع مالي في الشرق والجنوب الشرقي ، بالتالي يد موريتانيا في هذه العلاقة هي السفلى .
5 - خلال الأزمة مع السنغال، كانت موريتانيا في مواجهة نخبة مدنية تحكم البلد. أما في مالي فالبلد تحكمه نخبة عسكرية شابة، والأهم أنها نخبة " قومية ثورية " ولكل من هذه النخب طريقة وزن الأمور والتعاطي معها وأجنداته الخاصة وحساباته، وتبقى النخبة الأولى أكثر رزانة وكياسة وجنحا للسلم .
6 - مالي تعيش حربا داخلية متعددة الأطراف وحتى أنها حصلت بها مذابح بشعة عدة مرات على أساس عرقي ( المذابح في الفلان ) ناهيك عن حرب وجود وتحرر من التبعية لفرنسا .... وروسيا على الخط وعلى الأرض، والأحداث تقول بأنها لا تسلم من والاها ( لا تتخلى عنه تحت أي ظرف ) ويوم أمس كان وزير الدفاع وقائد الأركان الماليين في زيارة لموسكو .
7 - هناك دول تسعى جاهدة لإشعال حرب بالمنطقة ( حروب بالوكالة ) لن تقبل دول كالجزائر والسنغال الإنجرار لها أو لعب دور فيها، وموريتانيا وحدها في المنطقة مرشحة لفعل ذلك .
#يتبع
بعد استحضار الماضي وتشخيص الواقع ... الحل .