بنشاب : طوال عقود ظلت منطقة الشرق الأوسط ساحة تنافس على النفوذ والمصالح بين الولايات المتحدة وروسيا في ساحات الصراعات المختلفة.
واستمر ذلك حتى انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وتراجع مستويات الانخراط الأمريكي في صراعات المنطقة منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير 2021، بعد تبنيه استراتيجية التوجه نحو آسيا لمواجهة مخاطر صينية أو روسية محتملة في تلك المنطقة.
كما أن حاجة الولايات المتحدة إلى مصادر الطاقة في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط عموما تراجعت هي الأخرى، إضافة إلى سياسة الإدارة الأمريكية بتخفيف حدة التوترات مع إيران، والابتعاد عن الخلافات الخليجية الإيرانية.
إذ تسعى الولايات المتحدة إلى تقديم بعض التنازلات لترغيب إيران بالعودة إلى الامتثال لاتفاقية الملف النووي لعام 2015، لضمان منع طهران من امتلاك السلاح النووي.
وشهدت العلاقات الأمريكية الخليجية توترات على خلفية ملفات حقوق الإنسان، والحرب في اليمن، وفرض قيود إضافية على توريد أنواع من الأسلحة والذخائر ومنع أخرى، ما دفع السعودية تحديدا والإمارات إلى حد ما بالتوجه نحو الصين وروسيا لمزيد من التعاون العسكري في مجالات شتى.
كما اتجهت كل من إيران ومصر والعراق ودول أخرى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع روسيا والصين.
وترى بعض مراكز صنع القرار الأمريكي في تطور العلاقات الأمنية والاقتصادية بين روسيا والصين من جهة، وعدد من دول الشرق الأوسط من جهة أخرى، تحديا روسياً وصينيا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
وخلال عقود تحملت الكثير من دول منطقة الشرق الأوسط تبعات التنافس على المصالح بين الدول الكبرى، لا سيما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق والاتحاد الروسي الحالي.
وتعيش دول بالمنطقة مخاوف توسع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، واحتمالات اندلاع حرب بين الدولتين تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار بالعالم، وفي منطقة الشرق الأوسط إذا دخلت الولايات المتحدة طرفا فيها بشكل ما.
في حين يمكن لدول أخرى بالمنطقة، خاصة الخليجية المصدرة للنفط والغاز، أن تجد في تلك الحرب فرصة لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، التي ترغب في أن تكون بعض هذه الدول مستعدة لتعويض نقص إمدادات الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية في حال قررت إدارة بايدن فرض عقوبات على روسيا، أو وقف إمدادات الطاقة العالمية لأسباب تتعلق بالحرب المحتملة.
وتشكل احتمالات وقف إمدادات النفط والغاز إلى الدول الأوروبية مصدر قلق للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي تحاول اتخاذ إجراءات استباقية لتعزيز أمن الطاقة الأوروبي، ومنع حدوث اضطراب واسع في إمدادات الغاز والنفط وأسعاره في السوق العالمية، جراء العقوبات المحتملة التي ستفرضها إدارة بايدن.
تلك العقوبات ستمنع الدول من شراء الغاز والنفط الروسيين، أو أن تؤدي الحرب إلى منع تدفق الطاقة بسبب مخاطر النقل عبر الأراضي الأوكرانية أو عبر البحر الأسود إلى أوروبا.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن دول الاتحاد الأوروبي تعتمد في تلبية نحو 40 في المئة من حاجتها إلى الغاز الطبيعي على روسيا، وأن إيجاد بدائل عن الغاز الروسي لن يكون بالأمر اليسير.
وخلال زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد إلى واشنطن نهاية يناير الماضي، بحث الجانبان خيارات تزويد دول الاتحاد الأوروبي بشحنات من الغاز الطبيعي المسال القطري في حال شنت روسيا حربا على أوكرانيا.
لكنْ مراقبون يرون أن تحويل الغاز القطري إلى دول الاتحاد الأوروبي سيحتاج إلى مزيد من الوقت، إضافة إلى أن قدرات قطر في ظل التزاماتها تجاه الدول المستوردة للغاز في آسيا وإفريقيا، ستظل بحدود تعويض جزئي لحاجة تلك الدول من الغاز الروسي.
لكن يمكن لدول أخرى منتجة للغاز إلى جانب قطر، مثل الجزائر ومصر، أن تساهم في تقليل اعتماد الأوروبيين على الغاز الروسي وسد جزء من حاجتهم.
كما أن دولا منتجة للنفط مثل السعودية والعراق والكويت والإمارات يمكنها المساهمة في تقليل اعتماد الأوروبيين على النفط الروسي.
وأبعد من الطاقة، يمكن لمنطقة الشرق الأوسط ودول شمال إفريقيا أن تتأثر بتداعيات الحرب في مجال تجارة المواد الزراعية وإنتاج الحبوب في دول منطقة البحر الأسود.
بالإضافة إلى تأثيرات تدفق اللاجئين من منطقة الحرب إلى دول الاتحاد الأوروبي، وما يمكن أن تشكله من ضغوط على برنامج المساعدات العالمي للاجئين الذي يستفيد منه لاجئو دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتعتمد دول عربية كثيرة على استيراد القمح الروسي أو الأوكراني بالدرجة الأولى لسد حاجتها المحلية، مثل اليمن ولبنان وليبيا ومصر وتونس والجزائر، وهي في عمومها دول تعاني من أزمات معيشية قد تزيد معاناة شعوبها جراء ارتفاعات محتملة في أسعار القمح نتيجة قلة حجم المعروض في السوق العالمية.
وتمثل صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا نحو 30 في المئة من حجم المعروض في الأسواق العالمية، وكذلك ما يتعلق بمواد غذائية أساسية أخرى مثل الذرة والزيوت النباتية.
وتعد أوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح في العالم.
وتعتمد دول مجلس التعاون الخليجي على استيراد القمح ومعظم المواد الغذائية الأخرى في سد حاجة السكان، بينما تعد دول مثل إيران والجزائر من البلدان التي تحتل المراكز العشرة المتقدمة كأكبر دول مستوردة للقمح في العالم.
في حين تستورد مصر نحو 60 في المئة من حاجتها إلى القمح من روسيا وحوالي 30 في المئة من أوكرانيا.
وأدى التدخل الروسي في سوريا وليبيا إلى تعقيد الصراع فيهما، وتخشى دول عربية معنية بالأزمتين أن تؤدي التوترات بين موسكو والدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى تعطيل المساعي الأممية لحل الصراع سياسيا في البلدين.
وتحاول معظم حكومات الدول العربية عدم اتخاذ أي مواقف سياسية من الأزمة بين روسيا وأوكرانيا في مسعى منها للحفاظ على علاقات متوازنة مع الدولتين.
لكن مع استمرار التوترات بين واشنطن وموسكو حول الأزمة الأوكرانية قد تجد بعض الحكومات العربية نفسها أمام اتخاذ موقف سياسي للاختيار بين روسيا أو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
إلا أن دولا عربية مثل سوريا والسعودية والإمارات والعراق والجزائر وغيرها، ودول إقليمية مثل إيران تسعى للحفاظ على علاقاتها مع موسكو بما يعزز متطلبات حاجتها للصناعات العسكرية الروسية، والشراكة مع روسيا في ما يتعلق بالحفاظ على أسعار النفط في السوق العالمية بما يخدم الدول المنتجة له، إضافة إلى تعزيز نفوذها الدبلوماسي في مواجهة الولايات المتحدة بالنسبة لكل من سوريا وإيران.