الراصد: سؤال يتردد كثيرا هذه الأيام في المنتديات الفكرية و الثقافية و المراكز الإستشرافيةً.
هو سؤال قديم بقدم الوجود الفرنسي الإستعماري في المنطقة خاصة و القارة عموما و متجدد بتجدد الأحكام و النخب الحاكمةّ و تجدد الإ حتياجات الفرنسية التوسعية للوصول لمواطن الطاقة و الثروة و المعادن النادرة لشعوب القارة و الإستحواذ عليها عبر طرق و أساليب مختلفة با ختلاف الظروف الجيوسياسيةًلتلك المنطقة و طبيعة النظام السياسي فيها و سلوكً الحاكم او الحكام في الدولة أو الدول المستهدفةً و في بلادنا .
السؤال القديم الجديد الذي فرضت إعادة طرحه اليومً المتغيرات "السوسيو بولوتيكية " التي باتت تحكم العلاقة بين فرنسا (الماما ) المتسلطة على دول غرب و وسط و جنوب القارة السمراء و الحكام الشباب الجدد ضباطا و مدنين لشعوب القارةً و دولها المنهكة و الذين باتو يرفضون تلقائيا و موضوعيا الإنقياد الأعمى لتعليمات و سياسات "الاليزيه "و التبعية و الإستمرار في نهج أسلافهم من الحكام الأوائل ' العملاء' الذين تركتهم فرنسا خلفها لتمكين سياسة التبعية الثقافية و الإقتصادية و العمالة السياسية و الإدارية لفرنسا المستعمر السابق و المستخلف الحالي للرعيل الأول و الثاني و الثالث من القادة الأفارقة ضمن نادي ' خلية فرانس -أفريك ' التي تدار مباشرة من الاليزيه و الإستعلامات الفرنسية الخارجية ( مخابرات).
متغيرات سوسيولوجية و أخرى إستراتيجةباتت ملامحها واضحة التشكل و البناء و الأثر على صعيد العلاقات الثقافية و السياسية و الدبلوماسية بين فرنسا بقادتها الجدد؛ فرنسا ما بعد ديكول و المدارس الديكولية و إفريقيا و قادتها الشباب و الضباط الجدد ما بين لابول و الربيع العربي .
حيث لم تعد فرنسا تعني الكثير للشباب. الإفريقي و الآفرو عربي بعد ما ظلت فرنسا الجمهورية الأولى و الثانية و الثالث تستنزف خيرات و مقدرات شعوب و أوطان القارة البكر السمراء و تهيمن على منابع الطاقة و الذهب و النفط و الغاز و التربة النادرة و الحديد و النحاس و المعادن الثمينة الأزيد من قرن و نصف لبناء صناعاتها المتينة و الكبيرة و المتحولة و تقوية اقتصاداتها و تعزيز مكانتها الدولية بين الأمم و الدول التوسعية الكبري بثروات إفريقيا و دماء و عقول و عضلات و أمعاء الأفارقة.
الافارقة الشباب الحالمين بغد أفضل و عيش رغيد و عدالة إجتماعية و نهضة حديثة ( علمية و صحية و إقتصادية و عمرانية و تكنولوجية ) و توزيع عادل للثروة و قسط وافر من الحرية و العدل و المساوات و نصيب كبير من الديقراطية و حظ كريم من حقوق الإنسان بشرتهم به أنوار فرنسا ( روسو و فولتير و مونتيسكيو و غيرهم من جهابذة ثورة الأنوار بين فرساي و باستيل و على جادة جنبات الشانزأليزيه.
أحلام إكتشف شباب القارة السمراء و طليعة مثقفيه و نخبته الجديدة ' مدنية و عسكرية 'زيف بريقها و إستحالة تحققها او الوصول إليها حينما إبتلع الحوت في الأطلسي الشباب الحالم بالوصول إلى أنوارالحرية و السعادة و العيش الكريم في عرض الأطلسي و هو يسبح نحو أوروبا و تحطمت سفنه الخشبية المهترئة و المشحونة أحلاما و ذكريان و قصص و شجون و آلم عند شواطئ الابيض المتوسط في ' لامبيدوزا الطليانية ' و في ظلمات المحيط غذاء شهيا لحيتان المحيط و أسماكه في قيعان الأطلسي بعدما نهبت فرنسا الجشعة ثرواتهم و خيراتهم على سحط الأرض و جوفها و تركت من قدر له البقاء بين هذين الشقائين عرضة لنيران و فتك صناعاتها الحربية و القتالية و الإقتتالية البينية و الداخلية في حروب أهلية أبدية و إقتتال داخلي سرمدي أعدت له دوائرها المختصة في صناعة الحرب و الإرهاب و الترهيب و التفقير و التجويع و التخلف عناوين و أدوات مختلفة في ' ليبيا و الجزاىر و ليبيريا. و الكونكوا و ساحل العاج و سيراليون و إفرقيا الوسطى و مالي و بركينا فاسو و تشاد و النيجر و إقليم كازاماس و الصحراء الغربية و إقليم أزواد.. و القائمة و المكائد و التفخيخ يطول و يتعدد '
كل تلك الإرادات و النوايا و الأفعال و الإفتعالات و أمور أخرى لم يتسع لها المقام كانت مجتمعة أسبابا موضوعية و طبيعية لحالة التنمر و الرفض الذي بات يعتري نخبة إفريقيا الجديدة و يطبع العلاقات الغير ودية اليوم بين باريس و العواصم السوداء الملتهبة و المنتفضة ضد ' القصر و الخلية ' المصرة على وضع حد لسياسة الإستنزاف الفكرية و الثقافية و الإقتصادية الفرنسية لثروات القارة و دولها الطبيعية و الباطنية و المتجددةً بصورة فجة و جشعة يقابلها النكران و الصدود لشبابها الحالم بالعبور إلى الضفة الأخرى حيث تم تحويل ثروات بلادهم و إستثمارها و إنفاقها في سعادة و رفاه شعوب غير شعوبهم بصلف و لؤم من لايملك لمن لا يستحق ( فرنسا و القارة العجوز) .
وهي الأسباب الموضوعية أيضا التي دفعت نخبة الجيش للإطاحة بأنظمة نادي " فرانس - آفريك ' وحكام التبعية لفرنسا مسنودة بفكر و تنظير نخبة الأحرار الشباب من ضحايا ركام أنظمة التبعية و العمالة للإليزيه التي ظلت تحكم الأوطان من ستينات القرن الماضي و تتوارث الحكم بطرق و أساليب مختلفة حتى مطلع الألفية الثالثة .
وهو مايشكل اليوم إمتعاضا لم يعد سرا في الدوائر الفرنسية عبرت عنه الدبلوماسية الفرنسية في أكثر من مناسبة و شكل أكثر من صفعة و حرج لقصر الاليزيه و أدواته و أذرعه التحكمية في دول القارة ' الإكواس و نادي الخلية " و أصبحت تجلياته بادية من خلال طرد فرنسا من مالي. حيث كانت تصنع الحرب و الإرهاب و إنهيار مجموعة G5 تحت أحذية الشباب العسكري الرافض بأن يكون الدرع الأمني. الواقي لفرنسا و حلفاءها من المد الإرهابي الذي صنعته سياساته الحربية في المنطقة .
سياقات و أحداث أجبرت الرئيس الفرنسي ' إيمانويل ماكرون ' إلى النزول من برجه "الإفيلي الحديدي العالي " إلى الواقع المعاش والمحسوس و الملموس الذي أصبح تصنعه و تحدد إتجاهاته النخبة الشبابية الإفريقية التي إستعادت و عيها من نزق التبعية و الإنبهار بفرنسا الجشعة و الغرب المنافق و أخذت بزمام مبادرة إنقاذ شعوبها و تحرير ماتبقى من خيرات و ثروات بلدانها و خاصة دول الساحل و الجنوب الغربي من القارة التي ظهرت بها مؤخرا مؤشرات جيدة ' للنفط و الغاز ' تكفي لإنتشال شعوبها من براثين الفقر و التخلف و نيران الإرهاب من جانب و تدفق بحار من لعاب يكفي لري الصحراء الكبرى و الساحل من فرنسا و القوى الدولية العظمى " الصين و روسيا و أمريكا' اامتصارعة و المتسابقة على و إلى منابع الطاقة و الثروة من جانب آخر.
صحوة شبابية إفريقية نخبوية ' عسكرية و أمنية و مدنية ثقافيةً وسياسية و إجتماعية و إقتصادية "مرغت نظرية الولاء لفرنسا في التراب و أفاقت قادة فرنسا الجدد مابعد ديكول و رئيسها الغر المغرور من سباتهم العميق و دفعت الرئيس ماكرون إلى الإعتراف عند أول صفعة من ضابط عسكري مالي حر و وطني أن في للقارة دائما و عبر التاريخ رجال و نساء شبابا و شيوخ أحرار و شرفاء قادرين على أن يقولوا 'لا' وقت ما دعا لذلك الموقف و الكرامة من أمثال " نيكروما و سيكوتورى و ناصر و حرمه ببانه و سانكارا و مانديلا بالأمس و قادة. مالي و بركينا اليوم"
الأمر الذي دفعه أيضا ( الرئيس الفرنسي) إلى الإعتراف أن للقارة و دول المنطقة رجال عند الضرورة و الإستثناء تمكنوا من السيادة على قرارات أنفسهم و سيادة أوطانهم و كانت بلادنا و قائدها. السابق. مثالا حيا على تلك الإرادة المتقدة و الإستقلالية الواضحة حيث طفق ماكرون وهو يتجرع مرارة العنفوان المالي الإفريقي المتصاعد يشيد بالتجربة الموريتانية في بناء جيشها و الإعتماد على ذاتها و قدراتها و مقارباتها الفكرية الأمنية لمواجهة الإرهاب و الغلو و الاطرف دون الانقياد او الاعتماد على فرنسا. في السنوات الماضية 2008-2013كما إعترف هو نفسه قبل أيام في قمة بروكسيل. " الأفرو- أوروبية"
إعترافات و دروس و مواقف و خلاصات يمكننا أن نستنتج منها أن الخارطة الجيوسياسية و الواقع السوسيولوجي لدول المنطقة و القارة لم يعد بتلك الرتابة و السذاجة و الإستلاب الفطري الإفريقي .
بل إن عوامل و عوالم أخرى متعددة و متعدة لا تملك العجوز فرنسا و شبابها المغرور اليوم دخلا في توجيهها أو تغييرها و
ضمن بيئات إقتصادية و أسواق كونية و قوى أخرى دولية ناشئة و صاعدة ( الصين و الهند و دول جنوب شرق آسيا و الأمريكيتين و روسيا و البرازيل) قدجعلت المجال مفتوح و الخيارات متاحة و البداىل متوفرة. أمام القادة الأحرار الذين باتوا يمقتون الصلف و الجشع و الإحتقار و التآمر الفرنسي في المنطقة و الإقليم.
و لاشك أن بلادنا لن تكون بمعزل عن ذلك الرفض المتنامي للتلك الحالة من الإرتهان لفرنسا و دوائرها و أقطابها السياسوية أسوة بالجزائر و تونس و المغرب عربيا و مالي و بوركينا و غينيا و تشاد إفريقيا.
كل الظروف و الأسباب الموضوعية النفسية و الإجتماعية و السياسية و الدبلوماسية و الإقتصادية ( ظهور ثروات جديدة و متجددة ) متماثلة و متطابقة عندنا مع الدول المارقة على فرنسا و نخبتها العميلة الطيعة و لن تعدم بلادنا أحرارا يوما ما يصعرون الخد لفرنسا ماكون و ما بعد ماكرون و ينتصرون لحرية الإرادة الوطنية الموريتانية و إستقلال القرار الوطني داخليا و خارجيا و تحرير الثروة و الإقتصاد والمعادن الظاهرة منها و الباطنة لصالح الأجيال من قبضة فرنسا و شركاتها المتعددة الجنسيات العابرة للحدود و القارات القابضة منها و الباسطة …. .
ولترد فرنسا بعدها ماتريد.
بقلم : الدكتور السعد ولد لوليد