الراصد : تابعت بإهتمام كبير مقابلة المدير السابق للأمن الصديق دداهي ولد عبد الله، وهي مقابلة مهمة، نظرا للمكان الذي كان يشغله الرجل في قلب المؤسسة الأمنية ورأس الأمن السياسي في البلد طوال ثلاثين سنة، وهي بادرة حسنة تذكر للمدير دداهي، لما يمكن أن تساهم فيه مثل هذه المقابلات من كشف لبعض الأحداث وتوضيح لملابسات العديد من الملفات التي تهم الرأي العام الوطني، وتعليقا على المقابلة أكتب هذا التوضيح على بعض النقاط التي أثار المدير في مقابلته، وبالمناسبة المدير صديق شخصي منذ العام 1971 وظلت العلاقة الخاصة معه قوية وحاضرة رغم الاختلاف الدائم في المواقع واحتمالية المواجهة المستمرة.
في بداية المقابلة مع سيادة المدير، تساءل المحاور عن حقيقة طلب موجه من الرئيس معاوية للمرحوم محمد يحظيه ولد ابريد الليل، بحل تنظيم البعثيين العسكري داخل الجيش، وأحلتم الإجابة للرئيس معاوية، والأكيد أنه في اجتماع عقد بروما سبتمبر 1988 ترأسه الدكتور عبد المجيد الرافعي(لبنان)، وحضره من موريتانيا الأستاذ محمد يحظيه ولد ابريد الليل، التراد ولد سيدي، محمدي ولد باباه، والمتكلم، حدثنا الأستاذ يحظيه، أن الرئيس معاوية خاطبه وهو يودعه بعد عشاء في القصر الجمهوري أنه يوجد تنظيم عسكري للبعثيين في الجيش، وأنهم لايسمحون بذلك، واقترح يحظيه في الاجتماع أن أحسن حل لتفادي الضربة هو بيان لحل التنظيم العسكري، مؤكدا أن التنظيم مخترق ويجب حله قبل أن يقوم النظام بنفسه بالتخلص منه ويكون الثمن فادحا، وهو ما حصل لاحقا للأسف.
والأكيد لدي أن البعثيين بعد 10 يوليو لم يكن لهم دور أو مساهمة في أي إنقلاب عسكري، من الانقلابات التي عرفتها البلاد لاحقا.
تحدثتم سيادة المدير في المقابلة عن اعتقالات البعثيين دون أن يكون هناك توضيح عن ملابسات هذه الاعتقالات وأسبابها، والمرتبطة بأسباب معروفة، فحين يعتقل النظام الحاكم في البلد الزنوج، يجب عليه تلقائيا أن يعتقل البعثيين لصناعة التوازن، وحين يكون هناك تطور في تنسيق العلاقات مع الكيان الصهيوني، يجب اعتقال البعثيين، وحين تغضب فرنسا أو أمريكا من النظام الحاكم في البلد، يجب توقيف البعثيين وسجنهم، وإلى جانب أن الأنظمة ترفض وجود أي قوة سياسية منظمة وترفض خصوصا وجود قوة منظمة للبعثيين، فإن الإعتقال ترافقه في العادة ميزانية كبيرة للشرطة والضباط وهي فرصة للإنتعاش.
ربما سيادة المدير تعرفون أنه بعد 82 أصبحت لديكم لائحة دائمة للبعثيين تعتقل عند أي مناسبة، واللائحة لاتحين فأحيانا تبحثون عن موتى لإعتقالهم، وأحيانا تعتقلون أشخاصا غادروا الحزب والتنظيم منذ فترة، أذكر أنه في مرة أعتقلتم تاجرا من أهل كرو، وكذلك رجل من أهل بتلميت لوجود تشابه أسماء بينهم مع أسماء في لائحتكم الثابتة.
بخصوص التعذيب سيادة المدير، والذي نفيتم بشدة وجوده، فقد كان دائما موجودا وحاضرا وأساسيا في تحقيقكم أذكر أن الأستاذ محمد يحظيه عذب جسديا سنة 1988 وخضع لعدة جلسات في نظام التعذيب المعروف لديكم بجكوار، ولاشك نذكر الشهادة التي قدم الأستاذ محمدي ولد باباه، عن المعتقل، حين قال: أن الرئيس اعل ولد محمد فال زارهم في السجن ووجد الراحل محمد يحظيه مغمى عليه من التعذيب، فخاطب الشرطي قائلا: “يوجد لدينا كثير من الرصاص ولو كنا نريد قتل محمد يحظيه لضربناه بطلقة ووفرنا تعبكم”.
السيد المدير المعتقلات الموريتانية شهدت التعذيب في مراحل عديدة من التاريخ السياسي، والبعثيون عانوا كثيرا من التعذيب ومنهم من يحمل معاناته إلى اليوم، الصحفي محمد حرمة محفوظ، والذي سلخت سيقانه من التعذيب، المرحوم يمهل ختار، وغيرهم كثر، والاعتقال كان دائما غير مبرر وغير مرتبط بأي أحداث أو أي معطيات، نذكر في العام 1995 حيث الإعتقالات التي لامبرر لها، ولم تفهم إلا بعد ذلك بأيام حين شوهد وزير خارجية البلد يومها، مع شيمون بريز، ولاننسى بهذه المناسبة الموقف الطيب للإعلامي اباه السالك الحاج المختار، والذي حول جريدته من اسبوعية إلى يومية لمناصرة ومواكبة المعتقلين.
السيد المدير الأمر لم يقتصر فقط على التعذيب بل وصل درجة التفكير في القتل، لاشك تذكرون المقترح الذي قدم بتصفية كل من المرحوم محمد يحظيه، والأستاذ ممد ولد احمد، والداه ولد الحسين، ورفض بقوة من طرف الوسط الإجتماعي للنظام الحاكم يومها، وحسب ما لدي من معلومات لم يكن مقبولا من طرفكم أيضا.
السيد المدير ، ربما كانت نجاحات المخابرات الموريتانية محدودة مقابل الثمن الذي دفعه المواطنون تعذيبا وسجنا وتنكيلا وتقييدا للحريات، فإنقلاب العاشر من يوليو وقع ولم تشعر المخابرات الموريتانية، وكذلك احداث 16 مارس، وايضا انقلاب84 لم تشعر به المخابرات الموريتانية، وكذلك انقلاب يونيو2003، وانقلاب 2005، وكما قلتم مسؤلية الامن هو حماية النظام السياسي، من الإنقلابات والتمرد والثورات وهو مالم تتمكن المخابرات الموريتانية من النجاح فيه، وبخصوص الحديث عن العملاء والوكلاء والمخبرين، أستغرب من لائحة من 100 شخص قيل أنها لائحة جواسيس للمدير السابق اعل ولد محمد فال رحمه الله، ولم يوجد في اللائحة بعثي وهو أمر مثير للفخر كما هو مثير للإستغراب.
السيد المدير لقد كانت مقابلتكم سانحة طيبة للتعليق والتفاعل مع بعض الأحداث تنويرا وتوضيحا، وهي فرصة طيبة لذكر تفاصيل آخر لقاء جمعنا في جامع ابن عباس، حيث كنت والأستاذ محمد يحظيه ننتظر جنازة المرحوم بدر الدين، وألتقينا وبعد تبادل التحية أكدت علينا طلب السماح، حيث أكدت لك أنه لايوجد شيئ لكنك كنت مصرا على طلب السماح، وبعد مغادرتك لنا سألني الأستاذ عنكم فقلت هذا دداهي مدير الأمن السابق، وقال ذاك رجل لطيف و”أصل بعد مسامحينلو”.
دفالي ولد الشين