الراصد/: سكان موريتانيا ليسوا متجانسين تماما؛و تشكل المسائل الطائفية والعرقية مصدر العديد من مشاكل حقوق الإنسان الأكثر عمقا وحساسية في البلد.
و حتى لا ننسى و حتى يتمكن كل موريتاني بغض النظر عن لونه و عرقه...من العيش الكريم تحت لواء واحد هو ""انا موريتاني"" ،
ارتأينا ان نعيد نشر هذا التقرير الذي نشرته احدى المنظمات الحقوقية والذي يتحدث عن بعض التحديات و التضحيات و محاولة سبر اغوار هذه القضايا الاساسية التي تغض مضجع كل موريتاني شريف يحب الآخر و يحترمه و يفرض عليهما الواقع ان يتعايشا بسلام على هذه الارض الطيبة.
هذا التقرير يتناول تعامل السلطات الموريتانية مع المنظمات التي تترافع ضد التمييز العرقي والطائفي، والرق وإرثه، وانتهاكات الماضي الجسيمة التي استهدفت جماعات إثنية معينة. ويقيس درجة حرية هذه المنظمات في التعبير عن نفسها، التجمع، والتنسيق فيما بينها، والتدابير القمعية والتقييدية التي تواجهها. تشمل هذه الأخيرة القوانين والسياسات المستخدمة لحرمان الجمعيات من الوضع القانوني والحد من أنشطتها، وفي بعض الحالات، سجن أعضائها. ويعرض التقرير أيضا حالتين بارزتين لموريتانيين متابَعين قضائيا بسبب إدانتهم للتمييز وفظائع الماضي، وهما حالتان توضحان مدى قسوة العقوبة على إثارة هذه القضايا الحساسة.
تدحض الحالات التي تم تجميعها في هذا التقرير ادعاءات التسامح، وتكشف الحدود المفروضة على المعارضة. إحدى وسائل القمع هي قانون الجمعيات لعام 1964، الذي يقضي بأن تحصل الجمعيات على ترخيص من وزارة الداخلية ليكون لها وجود قانوني، والذي يمنح الوزارة أسبابا واسعة لرفض منح هذا الترخيص أو سحبه من الجمعيات التي لا تروق لها. وفقا لهذا القانون، فإن أسباب الرفض تشمل القيام بـ "دعاية معادية للوطن" أو ممارسة "تأثير مفزع على نفوس المواطنين".
تستطيع الجمعيات غير المعترف بها العمل ضمن حدود، لكنها تواجه عقبات ومخاطر حقيقية. على سبيل المثال، ترفض الفنادق والفضاءات العامة عموما السماح لها باستئجار قاعات للمناسبات، وتمتنع الجهات المانحة الحكومية الثالثة، مثل الاتحاد الأوروبي، عن تمويلها. كما واجه ناشطون في بعض الأحيان السجن فقط بسبب العضوية.
عام 2016، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون يحل محل قانون عام 1964. في حال اعتماده، سيحظر المشروع تكوين أي جمعية تتهم بأنها تقوض الوحدة الوطنية. وقد استخدم المسؤولون الموريتانيون بالفعل هذا الأساس لتبرير عرقلة أنشطة الأفراد والجمعيات، مستشهدين بالمادة 1 من الدستور، التي تنص على مبدأ عدم التمييز فيما يتعلق بالأصل والعرق، وتحظر كل "دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي".
يعكس التنوع العرقي لموريتانيا موقعها الجغرافي، حيث تُعتبر جسرا بين المنطقة المغاربية الكبرى وغرب أفريقيا جنوب الصحراء. ويتكون السكان من 3 مجموعات عرقية رئيسية، رغم أن اختلافات وفروعا هامة تُميز بينها. تتحدث مجموعتان من هذه المجموعات، واللتان تشكلان معا حوالي 70 بالمئة من السكان، لهجة عربية محلية تُعرف بالحسانية. تعرف المجموعة الأولى من الناطقين بالحسانية بـ البيضان، تنحدر من الغزاة العرب والبربر. والحراطين هم المجموعة الثانية والأكبر من الناطقين بالحسانية؛ تتألف في الغالب من العبيد السابقين ذوي البشرة الداكنة وذريتهم. وغالبا ما يشار إلى المجموعة السكانية الثالثة باسم "الموريتانيين الأفارقة" أو "الموريتانيين السود"، وتتألف من عدة مجموعات عرقية، لغاتها الأم أفريقية وليست العربية.
بصفة عامة، يميل النشطاء الحراطين إلى التركيز على مسألة الرق وآثاره اللاحقة، التي تشمل أشكالا شديدة من الاسترقاق، الفقر، الإقصاء، وعدم كفاية جهود الدولة لمعالجة هذه المشاكل. وبالنسبة للموريتانيين السود، فالانشغال الرئيسي هو ما أصبح يعرف بـ "الإرث الإنساني"، وهو تعبير ملطف عن الهجوم الذي رعته الدولة على أفراد من جماعتهم ما بين 1989 و1991 والذي شمل إعدامات جماعية، الطرد إلى السنغال، مصادرة الأراضي، وأنماطا من التمييز والاستبعاد منذ ذلك الحين. يجد العديد من الحراطين والموريتانيين السود سببا مشتركا للشكوى من الإجراءات الوطنية التي انطلقت عام 2011، لتسجيل المواطنين الموريتانيين رسميا. بحسب اتهامات البعض، تنحاز هذه العملية إلى البيضان الذين يهيمنون على الحياة السياسية والاقتصادية في موريتانيا. تنفي الحكومة أن تكون عملية التسجيل تمييزية.
المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها موريتانيا، القوانين المحلية التي اعتمدتها لحماية حقوق الإنسان، انخراطها في الآليات والإجراءات الحقوقية الأممية والأفريقية، وإمكانية الدخول المتكرر إليها، وإن كان مقيدا، الذي تمنحه لجماعات حقوقية دولية، تشير إلى التزام السلطات الموريتانية بالوفاء بالتزاماتها الحقوقية وترحيبها بخضوعها للتدقيق. لم تواجه هيومن رايتس ووتش أية عقبات خلال زيارتيها البحثيتين إلى موريتانيا في عام 2017، ومُنحت اللقاءات الحكومية التي طلبتها.
مجموعات الإرث الإنساني والضحايا
تعترف السلطات الموريتانية، بطريقة مبهمة وعامة، بأن عملاء الدولة ارتكبوا انتهاكات جسيمة خلال الإرث الإنساني. بيد أنها تؤكد على أنها منحت العدالة والتعويضات الكافية للضحايا، عملا بقانون العفو لعام 1993، والتدابير المتخذة منذ ذلك الحين لتعويض الضحايا والناجين، وبادرة "صلاة الغائب" التي أداها الرئيس الموريتاني(آنذاك).
جماعات الدفاع عن الضحايا، والتي تواصل التنديد بقانون العفو الذي يمنح الحصانة لمرتكبي أي انتهاكات حقوقية جسيمة خلال "الإرث الإنساني"، والتي تطالب بالمزيد فيما يتعلق بالمساءلة والتعويض وإعادة التأهيل، تواجه قيودا على أنشطتها. قال قادة "منسقية منظمات ضحايا القمع" (COVIRE)، التي تجمع أرامل العسكريين والمدنيين ضحايا أحداث 1989-1991، لهيومن رايتس ووتش إن السلطات عرقلت مرارا وتكرارا جهودهم لإحياء ذكرى المذابح، الإعدامات، والاختفاء القسري التي ارتكبت خلال تلك الفترة، من خلال حرمانهم من الترخيص الذي يجب أن يحصلوا عليه لتنظيم النشاط، أو بتفريق مظاهراتهم.
اعتمد البرلمان في 9 يونيو/حزيران 2017 قانونا جديدا لمكافحة التمييز يتضمن أحكاما يمكن استخدامها لسجن أشخاص للتعبير السلمي. تنص المادة 10 على ما يلي: "يعاقب بالسجن من سنة (1) واحدة إلى خمس (5) سنوات كل من يشجع خطابا يحث على الخلاف بين المذاهب والطرق الإسلامية". ويمكن تطبيق هذا المعيار الغامض على الأشخاص الذين ينتقدون بشكل سلمي الإسلام كما هو ممارس في موريتانيا، وهو ما فعله بعض النشطاء المعارضين للعبودية والتمييز.
مجموعات مكافحة الرق
لم تحظر موريتانيا الرق إلا في عام 1981، وجرمت هذه الممارسة في عام 2007، وأنشأت محاكم متخصصة في عام 2015 لمقاضاة قضايا الرق. تدعي السلطات النجاح في القضاء على الرق، وتقول إن التحدي اليوم يتمثل في معالجة الآثار الاجتماعية والاقتصادية المستمرة أو "إرث" الرق.
تحدت كل من الجمعيتين غير الحكوميتين الموريتانيتين الرئيسيتين المناهضتين للرق، وهما "نجدة العبيد" و"مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية" (إيرا)، هذا الخطاب الرسمي بالتأكيد على أن الرق ما زال يُمارس، وإن كانتا تختلفان في مقاربتهما. تتوفر نجدة العبيد، وهي الأقدم، على الوضع القانوني وتستخدم خطابا أكثر اعتدالا. حُرمت إيرا، الأكثر شراسة، والتي تأسست عام 2008، من الاعتراف القانوني. ويؤكد رئيسها، بيرام ولد اعبيدي، على أن العبودية، التي لم يتم القضاء عليها، تؤثر على 20 بالمئة من سكان موريتانيا، كما يدين النقص في تمثيل الحراطين وغيرهم من السود في المناصب الحكومية العليا.
بينما تُصرح إيرا أنها تلتزم بسياسة اللاعنف، فهي تستخدم في الغالب لغة وتكتيكات استفزازية. فعلى سبيل المثال، تشير بياناتها إلى الحكومة الحالية على أنها "عنصرية واستعبادية". وفي عام 2012، أحرق بيرام علنا كتب الفقه الإسلامي التي قال إنها تُفسَّر في موريتانيا لتبرير الرق.
في حين أن السلطات غالبا ما لا ترد مباشرة على البلاغات اللاذعة التي تُصدرها إيرا في الداخل وأثناء المناسبات الخارجية التي يحضرها بيرام، إلا أنها اتبعت سياسات قمعية تجاه بيرام و إيرا تعيق أنشطتها بشدة، بينما تسمح لها بالعمل في حدود معينة. رفضت السلطات معالجة طلب إيرا بالتسجيل الرسمي، وعرقلت جهودها لرعاية مؤتمرات وورشات عمل. وفي 2016 ، حلت منظمة غير حكومية تنموية كانت تسمح لأعضاء إيرا باستخدام مكاتبها. قضت المحاكم مرتين بسجن قادة إيرا منذ عام 2015 في محاكمات غير عادلة، وحتى كتابة هذه السطور، ما يزال عضوان يقضيان عقوبة السجن.
في شرح لرفض الاعتراف القانوني بإيرا، قال وزيرا الداخلية والعدل الموريتانيَّين لهيومن رايتس ووتش إن إيرا "تُقسم الوحدة الوطنية". وأضاف الأول أن على إيرا الاختيار بين كونها منظمة مجتمع مدني أو حزبا سياسيا، لكنها لا يُمكنها أن تكون الاثنين في نفس الوقت: عام 2014، ترشح بيرام للانتخابات الرئاسية، وجاء في المركز الثاني بعد الرئيس الحالي، محمد ولد عبد العزيز.
عقبات أمام الحصول على المواطنة الكاملة
في يناير/كانون الثاني 2008، شرعت حكومتا موريتانيا والسنغال في عملية رسمية لإعادة بعض الموريتانيين الذين يقدر عددهم بنحو 60 ألفا، والذين طردتهم السلطات أو هربوا إلى السنغال في عامي 1989 و1990 خلال فترة الإرث الإنساني. في مايو/أيار 2011، أطلقت السلطات الموريتانية تعدادا في كامل البلاد يهدف إلى تسجيل السكان في قاعدة بيانات بيومترية، تنظيم بطاقات الهوية الوطنية، واستكمال القوائم الانتخابية.
تأسست "لا تمس جنسيتي" ردا على تعداد عام 2011 وعملية التسجيل الوطنية اللاحقة، والتي تقول عنها المجموعة إنها تهدف إلى تقويض حقوق المواطنة للموريتانيين السود. قال وزراء لهيومن رايتس ووتش إن السلطات رفضت الاعتراف القانوني بلا تمس جنسيتي لأنها، مثلها مثل إيرا، "تُقسم الوحدة الوطنية". واعتبروا ما تدعيه لا تمس جنسيتي، كون عملية التسجيل تمييزية عرقيا، أنه بدون أساس. لم تدرس هيومن رايتس ووتش حيثيات هذا الادعاء. ومع ذلك، وصف المقررون الخاصون للأمم المتحدة المعنيون بالعنصرية والفقر المدقع عملية التسجيل الجارية بأنها تنطوي على تمييز ضد الحراطين والموريتانيين الأفارقة.
عندما نظمت لا تمس جنسيتي أول مظاهرات للاحتجاج على عملية التسجيل الجديدة في عام 2011، فرقتهم السلطات في بعض الأحيان بالقوة، بحسب قادة المجموعة، ما تسبب في إصابات ووفاة أحد المتظاهرين الشباب في بلدة ماغاما في 27 سبتمبر/أيلول 2011. ومنذ ذلك الحين، يقول قادة لا تمس جنسيتي إنهم لم يحاولوا تنظيم مسيرات جماهيرية، لكنهم تمكنوا من تنظيم احتجاجات أصغر حجما مثل الوقفات.