هل تفضي تحقيقات البرلمان في صفقات العشرية إلى فقدان الثقة بين دوائر السلطة؟ (خاص)

أربعاء, 22/04/2020 - 11:38

(خاص جريدة العرب)مع مرور الوقت تبدو تحقيقات البرلمان الموريتاني،  فيما يعتبره فسادا حصل خلال سنوات حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، مثار جدل كببر  بين اطراف الاغلبية الحاكمة.
فقد شهدت جلسة البرلمان التي عقدت قبل أيام، والتي خصصت  للتصويت، على توسيع مجالات تحقيق اللجنة البرلمانية، سجالات برلمانية داخل نواب الحزب الحاكم، تتضمن اتهاما مبطنا من نواب الحزب، لبعض أعضاء اللجنة بتسريب محتوى الجلسات بهدف التحامل السياسي، وسط تضارب الانباء بشأن استعداد اللجنة للتحقيق مع ولد عبد العزبز  شخصيا، ومدى جواز الخطوة من الناحية الدستورية.
وكان لافتا انتقاد نائب البرلماني عن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، محمد ولد عيه المقرب أسريا من ولد عبد العزيز، للجنة التحقيق البرلمانية، داعيا إياها إلى الانشغال بأوضاع البلد، بدل ما سماه "تصفية الحسابات".
وأضاف في مداخلة له خلال جلسة المصادقة على مقترح، توسيع صلاحيات لجنة التحقيق البرلمانية الخميس 16 إبريل 2020  بكون البرلمان، منح اللجنة فترة زمنية محددة للتحقيق، في بعض الملفات، وعليها أن تعلن ما إذا كانت قد توصلت لفساد في الملفات، التي تحقق فيها "بدل طلب تمديد عملها وتوسيع صلاحيتها".
وانتقد ولد عيه، ما اعتبره تسريب ما يتم نقاشه خلال جلسات استجواب لجنة التحقيق البرلمانية، لعدد من الوزراء والمسؤولين.
وأشار إلى أهمية التحقيق في تصفية شركة سمونكس، معتبرا أن هذه الشركة كان لها دور كبير في موضوع ضبط أسعار المواد الغذائية، وبموجب التصويت على المقترح تم توسيع صلاحيات اللجنة لتشمل ملفات جديدة، وهي؛ صفقات الكهرباء الخاصة بشركة "صوملك"، وصفقات البنية التحية (الطرق – المطارات – الموانئ – الاستصلاحات)، وصفقات الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "اسنيم" وسياساتها التجارية.
مما يحز في نفس كون محاربة الفساد شعار جذاب لكنه من المفارقة، ان الرجل الذي حكم البلاد لعشر سنوات، يتم اليوم تقصي مزاعم الفساد المتهم بها من قبل أشخاص سبق آن سجن بعضهم وأقال البعض الآخر بالتهمة ذاتها.
برأي بعض المحللين، الذين تحدثوا ل ( العرب) فإن اللجنة البرلمانية، تواجه عقبات لعل من أخطرها نفي تهمة الاستهداف السياسي، فيما تقوم به من تحقيقات طيلة الاشهر الماضية، استنطقت اللجنة البرلمانية المكلفلة، بالتحقيق عددا من وزراء العشرية الماضية، من بينهم ثلاث رؤساء لحكومات ولد عبد العزيز آخرهم كان الوزير الاول الاسبق مولاي ولد محمد لغظف الذي نقل عن مصادر اللجنة تثمينه لخطوة البرلمان في ممارسة دوره الرقابي مقدما أجوبته على كافة تساؤلات وشبه أعضاء اللجنة.
 يعتبر تصريح مولاي بدبلوماسيته المعهودة أنه فهم من صديقه ولد عبد العزيز ان قطاعات ( المالية، صفقات الطاقة، الصيد) كانت تدار من طرف حكومة ظلت تتبع مباشرة للقصر الرمادي.
حديث ولد محمد لقظف التبريري لمسار تسييره للشأن العام دفع بمقربين اقتصاديا من ولد عبد العزيز إلى استغلال الصحافة وجحافل ( المدونين) وإمدادهم بصور تحاول توريط الرجل الذي كان يلعب حسب مراقبين داخل نظام ولد عبد العزيز دور مطفئ الحرائق.
في اليوم الموالي لجلسة استجواب ولد محمد لغظف، حضر مدير اسنيم الحالي المختار ولد اجاي، لجلسة تحقيق جديدة تحدث مقربون منه عن إمداده خلالها اللجنة بما تحتاج من وثائق تتعلق بفترة تسييره لقطاع الاقتصاد والمالية، طيلة ست سنوات معلنا حسب ذات المصادر تحمله كامل المسؤولية عن ما أنجزه قطاعه من نجاحات وإخفاقات.
يوم السبت الماضي كان ترجمة لمصادقة البرلمان على توسيع أعمال لجنة التحقيق البرلمانية، حضر رجل الأعمال محمد السالك ولد ابوه الملقب ( الصحراوي ) إلى مبان الجمعية الوطنية للإجابة على أسئلة المحققين البرلمانيين، حول الظروف التي اكتنفت حصول شركته ( النجاح)، على صفقة تشييد مطار انواكشوط الدولي ( أم التونسي).
لعل الأمثلة الشعبية الموريتانية تشير إلى حكمة شعبية بالغة في تجسيد خصومة المتهمين بسرقة الأموال وكفيلة بمعرفة مرتكب الجريمة الحقيقي. لكنه في السياسة الموريتانية لا يتم الامر في الغالب هكذا!.
إذا عرجنا في هذا الصدد على الماضي القريب يقول إن (الترضيات) تحل في الأغلب محل العدالة الناجزة كلما تعلق الأمر باختلاس الأموال العمومية وتبديد الثروات الوطنية.
إن المتتبع للشأن السياسي في البلاد يدرك إن لبرلمان الذي اعتمد تشكيلة اللجنة الحالية سبق وأن دخل نوابه من منتسبي حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في أزمة مرجعية مع الرئيس السابق ولد عبد العزيز  قبل أشهر.
نستشف من هذا الأمر أن الغرفة التشريعية مطالبة اليوم من قبل الرأي العام الموريتاني بالبرهنة على أن تحقيقاتها تستهدف الفساد والمفسدين وليس فقط خصوم الرئيس الحالي من أصدقاء الأمس أعداء اليوم.
على اللجنة أن تثبت مصداقيتها للشعب الموريتاني  من خلال تحقيق شفاف وعادل بعيد كل البعد من تصفية الحسابات السياسية واستهداف رئيس السابق وأعوانه ومقربيه وأصدقائه ورجال أعماله ومن تربطهم علاقات حميمة بالرجل.
إذا كان التحقيق عادلا ومتزنا فإن الأمور ستأخذ مجرى آخر سيجرف فيه السيل إلى ناحية الوادي الأخرى وستطمر المياه أقوام كانوا يرون أنهم في مأمن من خطر التحقيق والمساءلة أقوام يتقلبون في مناصب عليا في البلد تشير الأصابع إلى أن لهم ملفات لا تقل فسادا عن ملفات الرئيس السابق وزمرته.
إذا كانت لجنة التحقيق البرلمانية تستمد قوتها أو إن صح التعبير تستأنس بملفات  محكمة الحسابات التي في الحقيقة لم ينج منها طافح ولا صالح سبق وأن أسندت إليه مهمة ما في سنوات العشرية التي أصبحت مثار جدل بخصوص الفساد والمفسدين.
إن العشرية كانت مرحلة فاصلة في تاريخ الدولة الموريتانية أولا كون القائمين على الشأن السياسي في تلك الفترة دخلوا إلى هرم السلطة وهم يحملون شعار الفساد والمفسدين ومحاربة كل من تسول له نفسه أن يأخذ أي درهم ودينار من مال الشعب الموريتاني.
تعامل الذين كانوا يسيرون العشرية مع ملفات الفساد وقاموا بابتزاز كثير من المسؤولين وسجنهم وتجريدهم من المهام التي كانت منوطة بهم وإرغامهم على دفع مبالغ مالية كبيرة.
إن العائدات التي استعادوا من الأطر التي ناهزت عشرات المليارات حينها تحدثت جهات مختلفة إن هذه المبالغ لم تنعكس إيجابا على واقع الشعب الموريتاني الذي عاش الأمرين من ارتفاع الأسعار واستشراء البطالة المقنعة وغير ذلك من المشاكل التي سودت وجه الأراضي الموريتانية.
من هذا المنطلق على اللجنة تعقد العزم وتصاحب الحزم لإيجاد حلول واسعة تجعلها في حل من أمرها وتكون بذلك حققت أشياء ملموسة على أرض الواقع بمحاسبتها لجميع المفسدين مهما كان شكلهم ولونهم حتى تحقق العدل وتعيد إلى أرض المنارة والرباط ألقها.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نحاسب البعض ونترك الحبل على القارب للآخرين يسرحون ويمرحون دون ما حساب في الوقت الذي كانوا فيه يمارسون ملفات شهدت أشكالا من الفساد لا غبار عليه.
نقول للجنة إنه عليها أن لا تترك صغيرة ولا كبيرة بخصوص الفساد خلال السنوات العشر الماضية إلا وحققت فيها وعليها أن لا تكتفي بالتحقيق الذي نرجو أن يقودها إلى محاسبة من تعاملوا مع الملفات بشكل فاضح ومشين لا زال الشعب الموريتاني يدفع ثمنها.

وكالة العرب