الراصد : تقتصر لحد الساعة حالات الإصابة بفيروس كورونا التي تم تشخيصها في البلد إلى ست حالات: خمسة منها واردة من الخارج وإصابة داخلية. وقد شفي اثنان من المصابين بينما توفيت امرأة مع الأسف كانت رهن الحجر الصحي فور قدومها من فرنسا. ورغم ثقلها بسبب المريضة التي وافاها الأجل، تعتبر هذه الحصيلة جيدة مقارنة بباقي العالم وبالدول المجاورة..
وقد أشادت بها أصوات كثيرة، محلية وأجنبية، معتبرة أن الدولة تسيطر على الوضع. ونوهوا بالسياسة التي اتبعها الر ئيس غزواني ونظامه في مواجهة جائحة كورونا: صحف أجنبية متعددة تناولت الموضوع تحت زاوية مرضية.. شخصيات دبلوماسية عالمية وازنة مثل السفير الفرنسي السيد جان ليف الذي وصف الدولة الموريتانية ب"..النموذج الافريقي في محاربة كورونا منظمة الصحة العالمية أبدت رضاها عن تعامل الدولة مع الأمر... إلخ.
لا للتساهل أو التراجع فيما يخص الاجراءات الاحترازية...
وكنتيجة مرضية لهذه السياسة المثمرة حتى الآن، تتردد منذ يوم أو يومين أنباء على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي وفي المواقع الالكترونية الإخبارية، مفادها أن السلطات بصدد اتخاذ إجراءات تخفف من سياسة الحجر والحد من التواصل بين الناس. يذكر منها: تقصير مدة حظر التجول أو رفعه، السماح بفتح المحلات التجارية، السماح بالتنقل بين الولايات، فتح المؤسسات التعليمية واستئناف الدراسة ...إلخ.
وكما هو الحال، منذ البداية مع جائحة كورونا، فإن مصداقية هذا النوع من الأخبار- التي لا تصدر عن جهات رسمية مؤهلة أو مصادر مؤكدة- يبقى مثار تساؤلات.
ومع ذلك، فإن كثيرا من الوسائط وناشري الرأي يبثونه ويلقون آذانا صاغيا. ومن دواعي التلقي الإيجابي لهم كون الأكثرية الساحقة من السكان يتوقون إلى تخفيف الإجراءات الوقائية من كوفيد-19.
وفعلا نحن جميعا- كغيرنا من البشر على وجه الكرة الأرضية، متضررون من الوضع الجديد الذي فرضته محاربة كورونا. لكن تضررنا من غياب الإجراءات الاحترازية ومن المجهول الناجم عن رفعها قبل الأوان قد يكون اشد وأعظم- لا قدر الله. لأن المخاطر قائمة، بل إنها تبدو يوما بعد يوم أكثر تعقيدا.. بحيث أنه من الصعب التنبؤ بالتطورات المستقبلية التي يتخذها هذا الوباء. فمنحنيات مساره ما زالت على العموم في تصاعد. وحتى الصين والبلدان القليلة الأخرى التي شهد فيها تطور الوباء تراجعا، فإن الأوضاع فيها غير ثابته.. بل إن مؤشرات عدم الاستقرار متجددة باستمرار بدرجة تنذر قادة تلك الدول وشعوبها بخطر تظهر بوادره دائما وبانماط مختلفة ومحيرة احيانا.
وفي هذه الأوضاع المتغيرة والخطيرة، فإن التقيد التام بالحزم والحيطة ضروريا. وهذا ينطبق بصورة خاصة على بلادنا، إذ سيكون من السابق لأوانه أن نحتسب أن الخطر بالنسبة لنا قد ولى أو تراجع. بل على العكس: يجب أن نسير قدما في النهج الذي رسمه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لما قال أن المعركة صعبة ومعطياتها متغيرة باستمرار داعيا المواطنين إلى التحلي بالمسؤولية وإلي التضحية.
وهذا السلوك الذي دعا له رئيس الجمهورية وعمل بمقتضاه، بدأت تجلياته وثماره تؤتي أكلها، على جميع المستويات. ولا ينبغي أن يناله أي تخاذل أو تساهل أو تراجع: لا من طرف السلطات ولا من طرف المواطنين.
... حتى لا ننشغل عن محاربة الإرهاب..
ومن جهة أخرى ينبغي أن نلتزم الحذر من أن يؤدي بنا التركيز على محاربة كوفيد 19 إلى نسيان أو إهمال التهديدات الأمنية الأخرى وعلى رأسها الإرهاب والجريمة العابرة للحدود. فإن حصر الاهتمام كله على محاربة جائحة كورونا وانشغال العالم به قد يكون سانحة تستغلها الجماعات الإرهابية المسلحة وجماعات الجريمة المنظمة لصالحها. وفيما يعني بلدنا، فإن هذا الاحتمال وارد بصورة خاصة في منطقة الساحل.. ونعتقد أن العمليات العسكرية الأخيرة التي نفذتها تلك الجماعات في مالي وفي النيجر وغيرهما تشكل بوادر تنذر بقابلية وقوع هذا التخوف.
وقد يزيد من خطورته أن أفرادا من القوة الفرنسية "برخان" المرابضة في مالي تأكد حملهم لفيروس كورونا وبدت عليهم أعراضه. الأمر الذي سيكون له اثر سلبي على محاربة الإرهاب في منطقة الساحل لما يفرضه على القوات العسكرية من إجراءات احترازية تحد من الفعالية العملياتية والقتالية، الفردية والجماعية، للجنود. (انظر :("كورونا يصيب الجيش الفرنسي في مالي.. و قد يعيق عمليات محاربة الارهاب" ))
كما أنه من غير المستبعد- وهذا هو الأخطر في الظروف الراهنة- أن يكون لحالات الإصابة التي أعلن عنها في "برخان" أثر سلبي على الرأي العام في الدول الافريقية المضيفة للجنود الفرنسيين. فهؤلاء كانوا عرضة لانتقادات شديدة في مالي وبوركينافاسو والنيجر بلغت حد التظاهر الشعبي في الشارع والمطالبة بانسحاب القوات الفرنسية والأجنبية. وظهرت في هذا الحراك وتبنته بشكل نشط أوجه بارزة مثل: الفنان الشهير ساليف كيتا المعروف على الساحة الدولية والنائب البرلماني عمر ماريكو.
ولن يكون من الغريب أن يجد دعاة هذا الموقف الرافض للقوات العسكرية الأجنبية سلاحا دعائيا جديدا في كوفيد 19 يؤدي بهم إلى القول أن القوات الفرنسية والأجنبية تجلب الوباء إلى داخل بلادهم وتنشره بين مواطنيهم. وهذا النوع من الدعاية مضر جدا بالصورة التي تريد تلك القوات إعطاءها عن نفسها: فبدلا من قوة إنقاذ نبيلة.. فها هي تُحول في أنظار كثير من المواطنين إلى ناشر لوباء خطير لا سابق له !
وهذه رسالة هدامة وسيئة لكونها تجد ارضا خصبة في المنطقة كما أسلفنا. ولن يكون من السهل التعاطي معها، كما كان التعامل صعبا قبل ظهورها مع الحراك المناوئ للوجود العسكري في دول الساحل. وكلنا نتذكر في هذا الصدد مدى الغضب الذي أصاب الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون لدرجة دفعت به إلى التفوه بعبارات غير لائقة من منظور اللغة والأعراف الدبلوماسية كقوله أنه "استدعى" رؤساء مجموعة ساحل5 لتحديد موقفهم من الوجود العسكري الفرنسي في بلادههم.
وقد تم فعلا عقد قمة استثنائية في شهر يناير الماضي حول الموضوع جمعه بنظرائه في الدول المعنية في مدينة أبو جنوب فرنسا. وبعد تلك القمة لوحظ فتور أو تراجع في الحراك المناوئ للقوات الفرنسية. لكن كورونا وانتشاره داخل تلك القوات قد يعطيان نفسا جديدا لمناوئي الوجود العسكري الفرنسي والغربي في دول الساحل. وبنفس المناسبة يعطيان نفسا للجماعات الإرهابية في المنطقة وغيرها من بؤر التوتر والأزمات. وقد ينال هذا الخطر مناطق تبدو هادئة ومستقرة مما يستدعي من بلادنا التحلي بنسبة عالية من اليقظة.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)