مقابلة مع المحامي بلال ولد الديك حول قانون التأهيل (نص المقابلة)

أحد, 05/04/2020 - 06:40

أجرت صوت أنواكشوط مقابلة مع الاستاذ بلال ولد الديك حول قانون التأهيل و دستورية إجراءات الحكومة ضد فيروس كورونا و واجبات الدولة في ظل هذه الاجراءات في الشقين الاقتصادي و الحقوقي.

و فيما يلي نص المقابلة :

 

مقابلة مع القانوني بلال ولد الديك :
صوت أنواكشوط : قدمت الحكومة الموريتانية، بعد موافقة رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء الماضي، ملتمس تفويض للبرلمان الموريتاني مدته ثلاثة أشهر يسمح لها بإتخاذ كافة التدابير التي من شأنها أن تساهم في مكافحة فيروس كورونا.
و اعتمدت الحكومة الموريتانية في نص القانون التأهيلي على المادة 60 من الدستور، التي تنص على ما يلي :

بداية نص المادة

المادة 60: للحكومة، بعد وفاق رئيس الجمهورية ومن أجل تنفيذ برنامجها، أن تستأذن البرلمان في إصدار أمر قانوني خلال أجل مسمى يقضي باتخاذ إجراءات من العادة أن تكون في مجال القانون.

يتخذ هذه الأوامر القانونية مجلس الوزراء وهي تتطلب وفاق رئيس الجمهورية الذي يوقعها.

 

تدخل الأوامر القانونية حيز التنفيذ فور نشرها غير أنها تصبح لاغية إذا لم يتسلم البرلمان مشروع قانون التصديق قبل التاريخ الذي يحدده قانون التأهيل. وبانقضاء الأجل المذكور في الفقرة الأولى من هذه المادة، تصبح هذه الأوامر القانونية غير قابلة للتعديل إلا بموجب القانون في المواضيع الخاصة بالمجال التشريعي. يصبح قانون التأهيل لاغيا إذا حلت الجمعية الوطنية.

انتهى نص المادة.

فما الذي تخوله هذه المادة للحكومة؟
ما مبرر المدة التي تضمنها قانون التأهيل؟
هل كانت الاجراءات المتبعة قبل هذا التأهيل دستورية ؟
ألم يكن الأولى بالرئيس اللجوء إلى حالة الطوارئ ؟
ما هي الاجراءات المصاحبة المطلوبة في هذا الظرف العصيب الذي يمر به المواطن العادي في ظل حظر التجول الليلي و اغلاق المدن و منع المواطنين من الدخول أو الخروج عبر الحدود برا أو جوا؟
و ماذا عن الجانب الحقوقي و ما الذي ينبغي على الدولة أن تأخذه بعين الاعتبار في هذا الاطار؟
هذه الاسئلة سنطرحها في حديث حول هذا الموضوع مع الأستاذ بلال ولد الديك.
أهلا بكم أستاذ،

المحامي : أهلا و سهلا

صوت أنواكشوط : ما رأيكم في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في ظل تفشي مرض كورنا و خاصة منها ما يقيد حرية المواطنين و يمنع تنقلهم سواء داخل البلاد أو خارجها و خاصة ما يمنع المواطنين من دخول البلاد و هم الآن محجوزون خارج الوطن، مع العلم أن كثيرا من الدول سعت إلى أن يعود مواطنوها إليها من كافة بلدان العالم، حتى الموبوءة منها ؟

المحامي : بسم الله الرحمن الرحيم، أشكر “صوت أنواكشوط”، على الاهتمام الذي توليه لهذه الوضعية التي نعيشها بسبب تفشي “كوفيد 19″، فيما يتعلق بالاجراءات التي اتخذت الدولة الموريتانية من أجل الحد من انتشار هذا الوباء، موريتانيا مثل كافة الدول التي تعرضت لتفشى هذا الوباء، كانت ملزمة بأخذ تدابير بعجالة، بما في ذلك أنها تجاوزت نصوصها الدستورية و ابتكرت من أجل الحد من انتشار هذا الوباء، كفرنسا التي استحدثت ما يسمى بـ “الطوارئ الصحية” التي لا مكان لها في الدستور الفرنسي، حيث طلبت من البرلمان أن يخول للحكومة أن تتخذ بواسطة قوانين تحد من الحريات العامة كافة الإجراءات و التدابير من أجل الحد من انتشار “كوفيد 19”.
صوت أنواكشوط : ماهي الخيارات التي أتيحت للدولة حسب الدستور :
هذا الارباك حصل في كافة الدولة، كانت موريتانيا ايضا عندها عدة خيارات في دستورها، حيث كان عندها خيار إعلان حالة الطوارئ، و كما تعلمون فحالة الطوارئ تعلن في حالة نادرة، حيث تخول للحكومة اتخاذ اجراءات بصفة استثنائية دون ان تمر بالبرلمان، و دون أن تكون لها علاقة بالقضاء حتى، و بالتالي كانت المادة 71 حالة قصوى.
و كان عندها خيار المادة 39 التي تخول لرئيس الجمهورية في حالة حدثت أمور تعطل المسار الدستوري أو المؤسسات او النظام العام، تخول له اتخاذ قارارات استثنائية.
و كل هذه الحالات تتطلب اجراءات خاصة، مثلا في حالة الطوارئ يلزم الرئيس استشارة رئيس البرلمان و المجلس الدستوري و كذلك الوزير الأول و إعلان حالة الطوارئ بواسطة خطاب.
في ظل صعوبة هذه الإجراءات و مدى ما يترتب عليها، لجأت الحكومة إلى المادة 60، التي فيها أمور إيجابية أن الحكومة بواسطة أوامر قانونية تحل محل البرلمان و بعد أن تفوضها الهيأة التشريعة لتسيير الوباء بواسطة الأوامر القانونية المستعجلة و النافذة بمجرد نشرها.
صوت أنواكشوط : أتخذت عدة اجراءات هل هي اجراءات دستورية في الأصل ؟
المحامي : فعلا هناك عدة أسئلة يمكن ان تطرح لأن الدولة الموريتانية قبل اللجوء إلى البرلمان و خوفا من انتشار الوباء اتخذت بعض الاجراءات مثل حظر التجول و اغلاق الاسواق، و بالفعل هذه الاجراءات بما أنها كانت تحد من الحريات العامة، يستشف فيها أنها غير دستورية، رغم إيجابيتها لأنها كانت ستحد من الوباء.
إلا أن الخيار الأخير يسوي تلك الوضعية السابقة و يخولها بممارسة تلك الاجراءات.
كان أيضا من الضروري أن يتضمن قانون التأهيل تلك الاجراءات التي ستتخد خاصة في مجال حظر التجول و الحجر التي تحتاج إلى إجراءات مصاحبة لتمكين المواطنين المطبقة عليهم هذه الاجراءات من تغطية الانعكاسات الاقتصادية سواء كانو مواطنين أو الأجانب مقيمين بشكل شرعي.
صوت أنواكشوط ـ هل طبقت دول ربما دساتيرها مماثلة أو مشابهة لدستورنا مثل هذه الاجراءات الاستثنائية ؟
المحامي : كما سبقت و أن قلت لكم، كورونا باغت العالم، و اضطر حكومات العالم إلى اتخاذ تدابير، و هذه الخطوة التي اتخذت الحكومة الموريتانية اتخذتها دول كفرنسا و المغرب و السنغال أيضا.
صوت أنواكشوط : هل تغطي المادة 60 الاجراءات الاحترازية المتبعة في مجال حرية التنقل بين المدن و التنقل ليلا و منع المواطنين من الدخول إلى أرض الوطن ؟

المحامي : المادة 60 تخول الحكومة بعد قبول رئيس الجمهورية أن تطلب إلى البرلمان أن يفوضها لإصدار أوامر قانونية تجعلها تحل محل البرلمان، و القضية لا تتعلق بالأصل بل بالشكل، بمعنى، ماهي الآلية التي من خلالها يمكن للحكومة أن تحل محل البرلمان.
و بالفعل هناك أسئلة يمكن أن تطرح في هذا الاطار، بما أنه مجرد تأهيل كمرحلة أولية، هل هذه القوانين محددة، و الجواب أن تلك القوانين القادمة، ليست محددة، تمس كافة الميادين، ستمس من الإقتصاد و الحريات و المعاملات التجارية و المدنية. بمعنى أن تلك الأوامر القانونية لها نفس مفهوم القانون الذي لا يصدر إلى عن البرلمان.
و أحب أن أذكر بأن قوانين التأهيل لا بد لها من مدة محددة، بالنسبة لهذه الحالة اختارت الحكومة ثلاثة أشهر.
و أود أن أوضح أن كافة الأوامر القانونية يجب أن تكون كلها ذات علاقة بإنتشار الوباء، و إذا صدر أمر قانوني خارج إطار مكافحة الوباء، فسيكون مخالفا للقانون التأهيلي و بالتالي يمكن الطعن فيها لدى المجلس الدستوري الذي ان شاء الغاه أو طلب إعادة النظر فيه.
صوت أنواكشوط : عفوا أستاذ، لنستوضح منكم، المادة 60 نصت على أنه في إطار برنامج الحكومة، أليس هذا تحديدا يمنع البرلمان من منح تفويض للحكومة خارج إطار برنامجها، و يمنع كذلك الحكومة إصدار أوامر قانونية خارج هذا الإطار، بمعنى أن الأوامر القانونية ستكون فقط متعلقة ببرنامج الحكومة مثلا قضايا اقتصادية، اجتماعية، برامج دعم، برامج تدخل، اقتطاع من ميزانيات المؤسسات، زيادة ميزانيات قطاعات معينة بسبب الجائحة ؟
المحامي : أولا لا يجب أن ننسى أن الوضع الذي نعيش فيه، أثناء هذا التأهيل، لم تعد الدولة في وضعية عادية، و بالتالي الوضعية الاستثنائية عندما تكون مشرعة، تعطل كل ما كان طبيعيا، و بالتالي فبمجرد التفويض، من أجل تطبيق إجراءات معينة، أو إصدار أوامر قانونية للحماية من الوباء تدخل في إطار هذا التفويض.
البرنامج في نظري لم يعد موجودا أو مفعلا، نظرا للحالة الاستثنائية، و المهم أن لا تصدر أوامر قانونية خارج إطار الهدف المنشود من التفويض و المحدد في القانون التأهيلي. و إذا خرجت الحكومة عن هذا التفويض تصبح معرضة كافة أوامرها القانونية المخالفة للطعون أمام المجلس الدستوري. و للتذكير في هذه الفترة الهيئات الدستورية ليست معطلة و موجودة إلا أن هناك حالة تأهيل فقط بسبب الظرف الاستثنائي.
صوت أنواكشوط : برأيكم هل الفترة القانونية التي طلبتها الحكومة في إطار قانون التأهيل (ثلاثة أشهر)، هل هي مبالغ فيها بالنظر إلى عدد الحالات الموجودة في البلاد، و هنا أذكركم أن بعض الدول حددت فترات أقصر و هي في وضعية أسوأ من موريتانيا، مثلا تونس حددت شهرين، و أيضا بما أننا في دورة برلمانية، ألم يكن الأنسب اللجوء إلى حالة الطوارئ التي تفوض الرئيس 30 يوما، بينما فتحت الفترة للحكومة، و هو حسب البعض فجوة في الدستور الموريتاني، ألا ترون أن هذه الفترة مبالغ فيها ؟
المحامي : سؤال مهم، أذكر أولا، يجب أن نتفق على المفاهيم، و يجب أن نعلم أن هذه الوضعية فوق الاستثناء، و لم يسبق لها بمثيل، و يجب أن نفهم أنه في الأصل حالة الطوارئ لا علاقة لها بالصحة، و إنما لها علاقة بالمساس بالأمن العام أثناء الحرب و مثلا لا قدر الله الحروب الأهلية مثلا. و تحول الدولة إلى دولة بوليسية و هذا يظهر في الاجراءات الخصوصية التي تصاحبها.
و هذه حالات معروفة في حالة الطوارئ لا بد أنها تمس من النظام العام، و بالتالي تعطل القضاء و تعطل أيضا كافة مناحي الحياة الأخرى.
و مفهوم حالة الطوارئ الصحية مفهوم غير مسبوق و لأول مرة في فرنسا يتم الحديث عنه، و تم تقديم طعون دستورية ضد بعض الممارسات التي قامت بها حكومة فرنسا في هذا الإطار.
و بالتالي كان لابد من اتخاذ تدابير من اجل الانصياع للدستور، و هو ما سعت له الحكومة الموريتانية حيث سعت إلى أنسب الطرق و أكثرها سلاسة و أقلها إخافة للمواطنين.
و حالة الطوارئ أيضا لم تتخذ في تاريخ الأمم إلى لفترات قصيرة جدا، أقصى حد 30 يوما.

صوت أنواكشوط : برأيك تعطيل حياة المواطنين و خاصة الانشطة الإقتصادية ماذا ينبغي على الحكومة أن تقوم به لضمان تعويض المواطنين عن الضرر الذي سيلحق بهم بسبب هذا الكساد و الحظر و منع السفر بين المدن و توقف العمل في الكثير من منشآت الدولة و القطاع الخاص ؟
مهما كان قانون التأهيل، أو الأوامر القانونية المنبثقة عنه، على الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار الوضعية الاقتصادية و خاصة أن البعض تعطلت انشطتهم و البعض الآخر ضعفاء ليست لديهم أي أنشطة، و أيضا الأجانب و الأشخاص العالقين داخل البلد ينبغي الاهتمام بهم أو إجلائهم إلى بلدانهم إن أمكن. بالتالي تحسين ظروف المواطنين في هذه الظرفية الاستثنائية يجب أن يكون أولوية.

صوت أنواكشوط : برأيكم من الناحية الحقوقية، ماهي أهم الإجراءات التي على الحكومة إتخاذها ؟

المحامي : أعتقد أن أول ما يجب التفكير فيه هو السجون و المساجين و بالتالي على وزارة العدل و الحكومة أن تحد من انتشار الوباء في السجون و تتخذ إجراءات بما أن السجون تعاني من الاكتظاظ، من خلال اصدار عفو عن بعض المساجين ممن لم يرتكبوا جرائم خطيرة تفاديا لتفشي الوباء، خاصة أن تفشي الوباء في السجون سيعتبر كارثة انسانية خطيرة و له تبعات في مجال حقوق الانسان.

صوت أنواكشوط : هل من كلمة أخيرة في نهاية هذا اللقاء ؟
المحامي : الكلمة الأخيرة التي أود أن أوصلها للجميع، اطلب منهم المساهمة مع الحكومة في حماية البلاد و البقاء في منازلهم و عدم الخروج إلا لضرورة قصوى، كما أرجوا من الله أن يحمي بلدنا من هذا الوباء.
صوت أنواكشوط ـ شكرا لكم أستاذ بلال ولد الديك، في نهاية هذا للقاء نشكركم على أجوبتكم الشافية و نتمنى أن يجنب الله بلادنا هذا الوباء و أن يعين كل من يسعى إلى أن يبتعد عنا و عن مواطنينا، الشكر موصول لكم أنتم قراءنا الكرام نرجو ان تكون الاجوبة شافية لتساؤلاتكم و لسلام عليكم.

ملاحظة : هذه المقابلة أجريت عبر الواتساب، نظرا للظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد من منع للتجوال و حظر للتنقل بين المدن.
أجراها و حولها إلى نص : ذ/ محمد فاضل الهادي