هي تماما كالجمعية السرية الخارج عنها لا يعلم عنها أي شيء، والداخل فيها لا يستطيع أن يقول عنها أي شيء، أقول لا يستطيع أن يقول عنها أي شيء، لأنه ببساطة يخاف أن يهتك أستار الشياطين، يفشي أسرار الشياطين، روائح الشياطين..
هنا اسنيم حيث عشش الفساد وباض وفرخ واستغلظ واستوى، هنا اسنيم حيث تقام المشاريع العملاقة التي لا تدر أي دخل، هنا حيث تتجاوز الخسارة المليار دون أن يحاسب أي أحد، هنا تسرق المليارات دون رقيب وتكون سرقة بطارية مصباح يدوي كفيلة بتسريح صاحبها دون أي حق، هنا حيث السرقة تحت الأضواء الكاشفة وفي وضح النهار، هنا اسنيم حيث تتم الترقية، وتمنح الامتيازات بمجرد التصفيق لحزب معين، هنا اسنيم حيث تجد العامل الذي ضاع أكثر من ثلث عمره في خدمة الشركة بدون مأوى، في حين يتم توزيع منازل الشركة على أشخاص لا علاقة لهم إطلاقا بها، هنا اسنيم حيث تجد العامل يأخذ الإذن بتدخل من مشيخة روحية أو مشيخة عسكرية أو يتم إعطاؤه تسريحا ليشتغل بحملة انتخابية، ومع ذلك يتم تسجيل حضوره كل يوم في الوقت الذي يكون فيه مسافرا يسرح ويمرح حيث شاء، ليتقاضى بعد ذلك نفس الراتب الذي يتقاضاه العامل بل يتم إعطاؤه نفس الرتبة التي استحقها المثابر المجد المسؤول الذي يعرف مهنته ويزاولها..
هنا شركة اسنيم حيث يوقع العامل على عقد بموجبه تتولى الشركة الضمان الصحي بالنسبة له ولزوجه وأبنائه، ليجد نفسه أمام مستشفى لا أخصائي فيه ولا هم يحزنون، حتى الأطفال بدون أخصائي والنساء بدون أخصائي فضلا عن مختص في الأعصاب أو القلب أو الحنجرة أو المسالك أو الحروق أو الكسور أو الصدر أو الباطني… الخ..
هنا اسنيم حيث تحدد الإدارة للمستشفى كم من حالة يمكن أن يتم رفعها في الشهر، ليبقى بقية المرضى يصارعون الموت، هنا اسنيم حيث تستطيع كل يوم أن تأخذ ما تشاء من الصور من العمال وهم في طوابير طويلة أمام المخزن الغذائي وكأنك أمام منكوبين جراء إعصار أو حروب أهلية أو لاجئين أثخنهم العوز، هنا اسنيم التي تبيع للعامل الأرز الموريتاني بنفس السعر الذي كانت تبيع له به الأرز التايلاندي، هنا اسنيم حيث يحس العامل أن لا كرامة لديه، فكرامته تسحق كل يوم تحت مواثيق توقعها الشركة دون أن تهتم بتطبيقها، هنا اسنيم حيث تنعدم الثقة تماما بين العامل والإطار، وبين الإطار والمدير، وبين المدير والمدير العام، هنا اسنيم حيث معايير المسابقة لا تكون دوما علمية، حيث تعلن أنها ستكتتب أبناء المتقاعدين في نظرة إنسانية، لتدرك بعد ذلك أن أكثر من 40% من المكتتبين لم يكن لهم أي شخص يعمل في الشركة، هنا اسنيم حيث الكفاءة ثانوية، أما القرابة والمكانة والمصلحة والوساطة والتزلف و”الانبطاح” هي السلم الأمثل للترقي في الوظيفة، بل حتى لمنحك بعض حقك الضائع كالرفع الطبي مثلا، هنا اسنيم حيث الحوادث تنبئ أن السلامة مجرد اسم مجوف بلا معنى، هنا اسنيم حيث يتوقف العمل بسبب أن الوردية لم تجد منذ شهور حقها من علب الحليب أو السردين أو الصابون أو كمامات الغبار أو…
هنا اسنيم حيث يتوقف الإنتاج لأن إحدى الآليات العملاقة متعطلة ولم تتوفر سيارة لنقل الميكانيكي أو العامل لإصلاحها، في الوقت الذي تقف سيارات الشركة الفاخرة أمام منازل الأطر والمديرين بل حتى عند النساء والأطفال تجوب الشوارع وأمام محلات التسوق، هنا اسنيم حيث لا ترى الإدارة أبعد من أنفها، حيث تنعدم النظرة الإستراتيجية المستقبلية وتسير الشركة دون استشراف المدى البعيد، هنا اسنيم حيث يقرؤون حروفك الناطقة بالحق، فتحبل من أفكارهم الشريرة حتى ولو كانت عقيمة لا تلد، ويجبرونك على دفع الثمن، هنا اسنيم حيث يحجز الظلمة مكانهم في الصف الأول من المسجد دون أن يتعظوا بمن سبقهم، وكم سبقهم من اللصوص والظلمة وقد زالوا جميعا، بل إن بعضهم اليوم يجر ذيوله لعل الساسة ينظرون إليه بعين الرضا، هنا اسنيم حيث تبخل الإدارة على العامل وحيث تظل بعض العلاوات محفوظة في ثلاجة الزمن منذ أكثر من ثلاثين عاما وكأن الأوقية لم تتدن قيمتها وتتردى وتهبط حتى أزيل منها صفر بأكمله.
سيقول البعض إني قسوت على الشركة وإن هذا النقد اللاذع لا ينبغي، وأن شركة اسنيم طالما كانت هي الحبل السري الذي يغذي موريتانيا كلها منذ أن كانت جنينا لم يكتمل ولها من الفضائل علينا جميعا ما يجعلنا نغض لها الطرف عن الكثير، وأنا لا أنكر ذلك، لكني أقول أن بعض الأمراض لا يشفى إلا بالكي، وكما قال نزار قباني:
إن أكن قد كويت لحم بلادي *** فمن الكي قد يجيء الشفاء
هو إذاً إحساس بعملاق ينهار وجبل يندك بسبب تراكمات إن لم تصحح، قد تؤدي به – لا قدر الله – إلى أن يكون أثرا بعد عين، فاتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح اهلك من كان قبلكم، واعلموا أن هذا التداعي الحر الذي تشهده الشركة ليس إلا نتيجة لما سبق فالظلم مؤذن بالخراب {وَتِلْكَ الْقُرَى أهْلَكْنَاهُمْ لَمَا ظَلَمُوا} {وَكَذَلِكَ أخْذُ رَبِّكَ إذْ أخَذَ الْقُرَى وَهِيَّ ظَالِمَةٌ إِنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدْ}…
أعيدوا تأسيس الشركة على أسس عادلة، واحترموا مواثيقها، وأعيدوا الثقة بين أفرادها، وأبعدوها عن زوابع السياسة وصواعقها، وركزوا على سلامة العامل وصحته فهو اللبنة الأساسية في عملية الإنتاج.
وإن لم تأخذوا ذلك بعين الاعتبار فاعلموا أن لا بناء ولا تقدم ولا نهوض ولا إنتاج ولا مستقبل ولا…
تصبحون على خير.
محمد الأمين ولد الشيخ