عزيز ... مكره على ترشيح غزواني لا بطل (تحليل)

ثلاثاء, 29/01/2019 - 19:27

علاقة بين الجنرالين محمد ولد عبد العزيز (الرئيس الموريتاني) و محمد ولد الغزواني (وزير الدفاع الحالي) تتشابك خيوطها كأغصان الدّوح، حيث يتداخل فيها السياسي و العسكري بالشخصي و الاجتماعي (سبق لولد الغزواني أن تزوج مريم بنت اللهاه، إبنة خالة الرئيس عزيز و أنجب منها). و هكذا فقد وحّد مصيرهما مشوار طويل، قطعاه معاً بكل أخطاءه و أخطاره: انقلاب على الشرعية، و تلاعب بالدستور، و تواطؤ على نهب المال العام.

و قد تم اختبار هذه العلاقة خلال غيبة ولد عبد العزيز الطويلة بعد ”رصاصة اطّويله“، حيث ظلّ ولد الغزواني عاضاً بنواجذه على جذاذة وفاء سموألي لرفيقه النائم في أحضان الموت.

أجمع العسكريون حينها على ضرورة تجاوز ولد عبد العزيز، و كان ولد الغزواني الأحظى بالتربع على كرسيّ الرئاسة يرتفق عليه تاجها.. غير أن الرجل آثر أن يحتفظ به إلى تتعافى ”البطة المريضة“، و تعود لعُشها . و هو ما يمنح ولد الغزواني تقدّماً على غيره في ثقة ولد عبد العزيز به.. فمَن مِن بينهم كان في مكان ولد الغزواني و مكانته، ثم واتته فرصة ”رصاصة اطّويله“ فلم ينتهزها.

ربما يعتبر أمثال ولد بايه أصدقاء ملاطفين للرئيس الموريتاني، غير أنه ليس من بينهم من وضعته الأيام على مِحك الابتلاء و الاختبار.. و بغير الاختبار لا يُطَمئِن اختيار.

جزاء سنّمار

رغم أن الرئيس الموريتاني وصف ولد الغزواني في حديث له مع يومية ”لموند“ الفرنسية، بأنه ”أحد رفاقه المخلصين“، و رغم الحظوة الظاهرة التي يحظى بها، و النفوذ الذي مكّنه من التخلص من بعض الطامحين لمكانته مثل الجنرال محمد ولد الهادي، فقد كان ولد عبد العزيز يقصّ خوافيه بإقالة بعض المحسوبين عليه، و يقدع أنفه في بعض لباناته الصغيرة:

ففي أكتوبر 2014 أقيل احميده ولد أحمد طالب، سفير موريتانيا السابق في الإمارات، المحسوب على ولد الغزواني.

و في اغسطس 2014 أقيل وزير الدفاع أحمدو ولد أدي ولد محمد الراظي، المحسوب أيضاً على الجنرال غزواني، و الذي لم ينمُ لأسماعه خبر إقالته إلا عن طريق الإعلام.. و الأرجح أنه لم يتم التشاور مع ولد غزواني فيها، فلو كان لديه سابق علم بها لأطلعَ عليها حليفه ولد الراظي.

و في نوفمبر 2018 نُقل حليفه محمد أحمد ولد محمد الأمين من السفارة في أنقره، إلى سفارة باماكو، و حلّ مكانه البكاي ولد حمادي صديق ”الأسرة الحاكمة“ في نواكشوط. و قد تضاربت التأويلات في سبب تعيينه في أنقرة، فمن مرجح أن يكون للأمر علاقة بنقل أسرة ولد عبد العزيز لمنهوباتها خارج موريتانيا، و من قائل إن الرجل عُيّن عيناً على الإسلاميين الموريتانيين الذين يترددون على تركيا.

سعى ولد الغزواني لإقناع ولد عبد العزيز بمنح صهره محمد فاضل ولد الداه رئاسة مجلس إدارة، فلم يُستَجَبْ له.

استبعاد العسكريين المحسوبين عليه من المراكز الحساسة في المؤسسة، من أمثال حماده ولد بيده و حننه ولد سيدي، و تعيين الجنرال برور قائداً عاماً لأركان الجيوش، و هو المحسوب على الشيخ ولد بايه، حيث تربطهما أواصر قربى، إذ تنتمي والدة الشيخ ولد بايه لقبيلة ”مشظوف“ التي ينتمي لها الجنرال برور، كما سبق لهما أن عاشا معاً في نواذيبوفتوطدت بينهما عُرى الصداقة و وشائجها.

ما يَريب ولد عبد العزيز في غزواني

لا ينفع ولد عبد العزيز، الساعي لحماية مستقبله القاتم، كأي مافيوزي تتخلى عنه ”عائلته“، إلا أن يجد في خليفته حاجة دائمة لدعمه، و افتقاراً مستمراً لمؤازرته..

لا ينفع ولد عبد العزيز ـ و حاله هاهي ـ إلا نبات لا ساق له، لا يمكنه تسلق الجذوع دون الاتكاء عليه.. و هذا ما لا يتوفر في ولد الغزواني، فخلفية الرجل العسكرية و سلطته بين الجنرالات، و بعده الاجتماعي، و صيته الطيّب في الأوساط التقليدية، و علاقاته الدولية الواسعة، حتى أن La Lettre du Continent و هي صحيفة صنّاع القرار في فرنسا، تصفة غالباً بـ ”الرجل المقرّب من الدوائر العسكرية في فرنسا“، و هكذا أيضا تربطه علاقات قوية بالإمارات و السعودية، يؤلف لطفه بينها و العلاقات الوطيدة مع إسلاميي موريتانيا المحسوبين على قطر .. كلها أمور تجعل من المستبعد أن يكون غزواني مجرد واجهة أنيقة يحركها ولد عبد العزيز من خلف كواليسه.

و قد لا يستبعد أن تتحرك نوازع المعاملة بالمثل في نفس الجنرال ولد الغزواني، المجروح بسوء معاملة ولد عبد العزيز له، فلا يجد السلف في ظل خلفه أكثر من الأمن و عدم المتابعة.

مرشحات غزواني

عوامل كثيرة تفرض ترشيح ولد الغزواني، من بينها:

المؤسسة العسكرية التي تعتبره ابنها بجدارة، تقلّد فيها مناصب مختلفة، و بنى علاقات وطيدة مع أفرادها.. فكان الدعامة العسكرية لحكم ولد عبد العزيز، الذي ظل العسكريون ينظرون له جسداً غريباً عنهم، يقود جسداً آخر غريباً هو ”بازب“.. رغم أن ولد عبد العزيز حاول ترتيب المؤسسة العسكرية بما يضمن له ولاءً لا يمر عبر قناة ولد الغزواني، غير أن نتائج تلك الجهود الحثيثة ظلت ضئيلة.

يحتاج شركاء موريتانيا و الطامعون للاستفادة من ثروتها الغازية من غاز و غيره، لاستقرار سياسي، لا يضمنه استمرار حكم الجنرال عزيز.. كما أن الجفاء الذي يطبع علاقة ولد عبد العزيز بماكي صال منذ وصوله للحكم في السنغال، و هو شريك موريتانيا في غازها، و تعذر تعايشهما السلمي، يفرض الخيار بين بقاء أحدهما و رحيل الآخر.. و الأولى هو بقاء الرئيس السنغالي المدني المنتخب، المرضيّ عنه لدى دوائر القرار في فرنسا و أمريكا، و الذي لا يحتاج تغييراً تعسفياً للدستور ليترشح لمأمورية أخرى.

لقد أعرب العسكريون و مثلهم فرنسا و أمريكا، غيرَ مرة، عن عدم موافقتهم على مساعي ولد عبد العزيز للترشح لمأمورية ثالثة.. فلم يكن ولد عبد العزيز يدلي بتصريح ينفي فيه ترشحه، إلا لطمأنة هؤلاء أو أولئك.. و تؤكد مصادر عليمة أن بيان الرئاسة الذي أوقف مبادرة نواب العار كان بضغط من الجيش الموريتاني.

و الخلاصة أن ولد عبد العزيز لم يجد مندوحة عن ترشيح ولد الغزواني، فهو مكرهٌ على ذلك لا بطل.. و لن يجد ولد الغزواني، إن وصل لسدة الحكم، مندوحة دون القطيعة مع نظام ولد عبد العزيز و سياساته.. كما لن يجد الديمقراطيون مندوحة دون معارضة استمرار حكم العسكر.

حنفي ولد الدهاه