بين برامين، برام انواكشوط وبرام بروكسل.

جمعة, 05/09/2025 - 23:14

الراصد: مبدئيا، نحن عَوَام حزب الكَنبة لا ندخُل في العِصْمة و"شَوْفات" السَّاسة على الحكومة، فهي كالمشاكسات الزوجية العابرة، التعبير الغاضب فيها مصروف عن ظاهره، لأنه نوع من "حَك لَقْلَ، وإفوتْ ويعگبو المرظه والتُّراخْ".

يُحكى - تَنَدُّرًا - أنَّ إذاعة عُيون السّاقية الحمراء تكون "مِسْتشِلْحَه" وجهَ النَّهار لغاية السَّاعة صفر ليلا، بعد ذلك "تِتْبيظَن وينْطْلسْ السَانْها بالحسَّانيه المَصكَوله" حتى الصَّباح، وتُكثِر الحديث عن "اتراب البظان" وتاريخهم،.. ولمَّا سُأل أحد القائمين عليها من "البظان" أجاب بأن الملك الحسن الثاني يخلد للنوم عند الساعة صفر فيخلو لنا الجو..، 

و بعد عَقْد قران الزَّعيم مسعود ولد بلخير على النّاصِرية، وفي جولة انتخابية في الدَّاخل اتَّسم خطابه بالاعتدال و الانضباط في اللفظ وقد كان حادًّا و استفزازيًّا قبل ذلك، باستثناء محطة واحدة، وأظنها "كنكوصه"، وكان المهرجان ليلاً، أخذ الحماس بالزَّعيم وتَسَلْطن نِضالاً فأنشد المَوَّال القديم :« لن يطيب لي عيش على هذه الأرض حتى تِبْرِمْ فطمة كسكس لإمْباركه...الخ،».. سألتُ وقتها أحد الشباب النَّاصري المنخرطين معه في مشروع الاندماج .. ما خطبُه زعيمكم وقد ارتكس لسَانه؟.. فردَّ مازحًا :«امتدَّ المهرجان لوقت متأخر من الليل، فرُبُّما نام الوفد المرافق المُرهَق عن الزَّعيم،  فأستفرد به الشَّيطان  يذاكره بعض الخطابات القديمة ذات الأحرف الناتئة تجاه البظان.. » ...

تطوَّع تيَّار قوميٌّ عربيٌّ آخر وجرَّب مع الانعتاقي برام الصّعود في هدوء بعد أن جرَّب مع غيره الصُّعود في صَخَبٍ.
استَهلك برام القديم، الكثير من المصطلحات المقبولة واللاَّمقبولة في نضاله، لهجة حادة، عصْيان لفظي وانفلات في الِّلسان، مرَّ بعُلماء النّخاسة، وبمالِك وخليل، وصولاً إلى «امْنْ أكَّذياش مِنْكم نُزُولاً تَحت الإزَار!....إلخ». 
ومرَّ برام بطور الفرديَّة المزمنة وتعظيم الذَّات، وصُلب رَدحًا من "النَّضال" على ثالوث إيرا – افْلامْ – الإخوان، وظلت  زاويَّة ميلانِه أكثر انحناءً في اتجاه القوميِّين الزّنوج، وهُمْ حاضنته التي اعتصم بها في الخارج منذ بداية نضاله.
والطريف أنَّ هذا الكُلَّ المتناقض المُحيطَ ببرام يتبادل بينيًّا الوصم بالتطرف والعنصرية، والاتهام بأقصى اليمينية داخل نوع فصيله،.. أفلام مثلاً يمين الزنوج، والبعث يمين البظان، وإيرا يمين لحراطين، والإخوان يمين افْنَيْده.. وجذر المعادلة يظل القيمة الانتخابية للحراطين.

مرَّت أزمنة مختلفة تحت جسر نضال الزعيم برام، روَّضت شخصيته الجامحة شيئا فشيئا وأعادته إلى التطبيع مع هويته الأصل، أو هكذا يبدو من سلوكه، فزار بعض "علماء النخاسة" الأحياء، زار أضرحة موتاهم، وطرب لتمجيد إگاون على طريقة أبناء الأسياد،.. لبَّى بذخ دعوات الأرستقراطيات البيضاء في عمقها الجغرافي، هناك، بل امگيلْ البظان افْـترجيت، أوانْ الحَرْ في آدرار، وشاركهم  تِنْزاه الشُّبان في عابراتٍ للصحراء يقودها عيِّل البظان،.. ويتكلم الرجل حسانية متگرحه بليغة اللفظ، صافية المَخارج، لا يُتقنها أغلب جيله من البظان البيظ،.. فإنْ لم يكن هذا تطبيع وتقبُّل واحتواء ، فأضعف الإيمان أنه مهادنة وتبادل منافع مع البظان أو اعتدال و"تِعدال"!.. ويُروى عن الشيخ أحمدو بمبا - والعهدة على الراوي - قوله: « أطَمْ إلِّي رَيتْ في اشْياخَه عنْ لكور عدلوني رَبْ، والبظان عدلوني بنك»، و"بنك" ترجمتها بالعِبْريَّة "المصالح".

صار برام أكثر سكينة ووقارًا واعتدالاً في الخطاب ونبرة الصوت، وقد غزا الشيب مفرقه، واعترف لبعض البظان بالغبن تمامًا كبعض لحراطين ولكور!... وبرام رجل ذكي، براغماتي، حين أعطى "حنكا ثانيا" مُطمْئنا من الأمل في حُسن التعايش، لبَّى البظان نداه أجل، وانخرطوا معه في مشروعه، بدءً بقليل نحو كثير .

ماذا حدث في ابريكسل ممَّا "يُدهش" لهذا الحد؟،.. لا شيء، سوى أنَّ  برام الأخير قَلَّب على مُودْ برام القديم! 

في سبعينات القرن الماضي، مَثُل أحد أعيان قبائل الصحراء الغربية أمام مسؤول أممي افريقي وصرَّح بأن الصحراء محتلة، وبعد سنوات مَثُل أيضا في نيويورك أمام نفس المسؤول (ولاهُ عارفو) وصرَّح بأن الصحراء مغربية، فنبهه الموظف الأممي من خلال المترجم إلى تناقضه في التصريحين، فقال الوجيه للمترجم:« گولو شقدالو، يگلع مولاه، هو لاهي إحولْ بيني امْع انعدل طشه من همي؟».... هذا حتى لا أقول إنَّنا كالمسؤول الأممي، نعرف ما في الزَّوايا من خبايا، وليس من الخبايا أنَّ لكل مَقام مَقال، وللمُقام أيضا مَقال الأرض، لن يتخلى برام عن حلفائه من الزنوج، ولن يُرضيهم إلا بما يُرضيهم، وما قال نصيبهم الثابت من "حنكه الأول".

ينظر الزنوج نظرة دونية للحراطين، دونية جدا، ومردُّها موروث البنية الطبقية التي تقوم عليها المنظومة الاجتماعية في إفريقيا السوداء، والرافضة لارتقاء العبد صعودا تحت أيِّ عنوان، كما لن تتخلص ذهنية الزنوج بسهولة من رواسب أحداث 89، وكان لحراطين رأس الحربة في ردة الفعل الشعبية على ما حصل في السنغال،.. وضرورة التقارب بين قادة المكونتين على قاعدة عمادها اللون مدروسة، لأنها قد  تقيهم من تكرار صدام بينهما على أساس الهوية.. وقد يمنحهما مُشتَرِكين ثقلا انتخابيا منشودا، وإنْ أضيف إليه صَريخُ "شريحة" المهاجرين سيكون صخبا لونيا كبيرا.. هذا عن السياسة.

أما عن الواقع فيشترك الحرطاني والبظاني في الانفصام الثقافي التام عن الكوري، حتى لا أقول الانعزال، لأنَّ التواصل بينهم في أدنى مستوياته بنفس المعدَّل.. وينظر البظان نظرة اجتماعية مُحقِّرة للأسود عُموما، وينظر الزنجي نظرة كراهية تاريخية "للغزاة" البظان،.. وقد يتزنَّج الحرطاني ثقافة وانتماءً ليَشْرد من ظلِّ وسمٍ بعبودية سابقة على تَحَرْطنه، وقد يتبَيظن آليًّا إنْ حَصَّل منصبا رفيعا أو ثروة ترفعه لطبقة أهل المال والجاه من البظان وسيُقبل حينها بسلاسة، فالديانة الثانية بعد الإسلام في هذا البلد عبادة المال. 

هذا الواقع الحساس يحتاج حنكة وطنية وبصيرة ورويَّة شعبية، أكثر من حاجته لمتطرف أبيض أو أسود في شكل عود ثقاب لفظي، لأن الفتيل مشبع أصلا.

أقول للبظان المتشنجين من خطاب برام، لا تعتبوا على اخوتكم من الشرائح الأخرى إن تمترسوا دون مصالحهم البعيدة الواسعة بالحق والباطل، العتب على أذهانكم العاجزة عن التطور لأبعد من مصالحكم الآنية الضيقة، وعن تحجُّركم في ماضٍ من الأوهام المحكية خيالا وممارسة، ولا تَستقيم معها دولة مواطنة جامعة.
هناك خيار ثالث ليس نار برام الموعودة ولا سكرة البظان الغافلة، هناك خيار بناء دولة على أسس العدل والمساواة والإنصاف والمدنية، وتقَبُّل الآخر باختلافاته اللونية واللغوية والعرقية، وسواسيته في الواجب والحق.
التعايش السلمي أداءٌ في الوقت المختار بالعقل والحكمة والخطاب الجامع، ولا يصلح قضاء فائتة في عنق الزجاجة، فحينها يكون الأوان قد فات. 

من سيُرشد منْ؟.. هل هي قوى التنوير "التقدمية" من كل لون وعرق، التي تتبادل هذه اللحظة على هذا الفضاء "آصريكيك" العنصرية والتخوين، والكفر بمستقبل مشترك؟!، أم هي النخبة النفعية الهائمة، وقد رأيناها تُبجِّل وتُقرِّظ بجاهلية قديمة قبائلها وتأخذها الحمية لشرائحها وألوانها، ويغطّي العفن "شيوخها" في الوظائف ومجالس الإدارات، ويتسابق شبابها للتعيينات واصطياد الصفقات، ويلعب رواد الكلمة والرأي والفكرة فيها دور "المُمجِّد التقليدي" بمقابل رخيص؟!. 

حفظ الله موريتانيا.

تحياتي

فضلا، أرجو لو تكرمتم بعدم الإساءة لشخص أو مُكوِّن، الإساءة الشخصية ليست رأيا،.. وإمَّلي لا اتْوحلوني امْعَ الراجل، لا يعگب إعود رئيس وإعدل قانون للرموز بفعل رجعي، وإلى اتليل انصفگلو عاگب هذا، إنتگولي أهل الفيس "مناشير الدهماء قبل وبعد"، وذيك الحالة إلِّي تعرفو.