
يعتبر نظام الوقاية هو الحل الأنجع عالميًا ضد العديد من الأمراض التي تسببها مختلف الجراثيم الفيروسية وغيرها، حيث يعتمد في طريقته على تعريف الجهاز المناعي للجسم على معلومات عن الجرثومة تمكّنه من القضاء عليها في لاحق الفرص دون الحاجة إلى أخذ أدوية إضافية للتخلص من المرض. عرفت هذه التقنية لأول مرة من خلال تجربة العالم الإنجليزي إيدوارد جينر 1796م عن طريق تلقيح الأفراد ضد مرض الجدري مما أدى بعد ذلك إلى ثورة علمية حقيقية في مجال المناعة والتطعيم.
في موريتانيا تسعى الوزارة في برنامجها من خلال إدارة الخدمات البيطرية لخلق غلاف حماية رصين عن طريق حملات التلقيح السنوية والتي تهدف إلى القضاء على أمراض ظلّت تكبّد المنمين في دول الساحل الافريقية خسائر مادية كبيرة، كان للمنمّي الموريتاني منها نصيب الأسد.
بيد أنّ هذا الأمل ما لبث أن تعثّر في خطواته الأولى بفضل عدة عوامل مختلفة ساهمت في إخفاق برنامج التلقيح وهو ما تحتّم منه وقوع خسائر بالملايين المجمّدة في رؤوس الأغنام والماعز والأبقار نتيجة لفتك أمراض عديدة في الماشية في مختلف مناطق البلاد.
يمكننا تلخيص هذه العوامل التي أدت إلى إخفاق حملات التلقيح في نقاط محددة
1. ضعف مستوى التحفيز من الدولة لصالح البيطريين ما يُولّد تدريجيًا رغبة في التقاعس عن المشاركة، خاصة بعد مقارنة المجهود المطلوب في عملية التلقيح والسعر المعوّض الذي لا يتجاوز 2 أوقية قديمة عن كل رأس.
2. نقص الدعم اللوجستي إذ أن معظم المفتشين البيطريين لا يتوفرون على وسائل نقل تمكنهم من التواجد في المناطق البعيدة حيث قطعان المنمين الوفيرة
3. عدم توفر اللقاحات المناسبة لإجراء عمليات التلقيح. تعتمد موريتانيا في نسبة كبيرة من اللقاحات على المختبر السنغالي وأي تأخر أو عجز في تأخر العقاقير يدفع المنمي فيه ثمنًا من ماشيته.
الثروة الحيوانية في موريتانيا تشكل قرابة 20% من الناتج المحلي للفرد مما يجعلها ركيزة اقتصادية أساسية في التنمية المحلية، إلا أنها رغم ذلك مهددة بكثرة الأمراض الخطيرة التي أدت إلى خسائر اقتصادية جسيمة.
ومن أجل حل هذه المشاكل يتعيّن على السلطات المعنية رفع الحوافز المادية للبيطريين خلال حملات التلقيح، وتعزيز البنى التحتية الصحية البيطرية وتجهيز الطواقم بما يستلزمه آداء مهامهم في مختلف المقاطعات.
كما يجب أيضا فك الحصار عن اللقاحات لعجز الدولة عن توفير الكميّات المطلوبة، حتى يتمكّن المستثمرون في مجال الأدوية البيطرية من سد ثغرة النقص وإشباع حاجة السوق لهذه العقاقير مع التشديد في المراقبة على جودة الأدوية.
فهل تستدرك الجهات المعنية هذه الخسائر أم ستبقى وتيرة النفوق متصاعدة ؟
د. محمد محمود احميتّ فال