الراصد : تدوينات في بلادنا يُختزل تبني الديمقراطية في إطارها الشكلي، لتصبح وسيلة تُستخدم لترسيخ النسق الاجتماعي والسياسي التقليدي الذي يتناقض جذريًا مع مبادئ الديمقراطية الحقيقية. هذا النهج لا يعبر عن التزام صادق بقيم الديمقراطية، وإنما يعكس محاولة لتكييفها مع أنماط السلطة الموروثة التي تهدف إلى الحفاظ على الهياكل القائمة بدلاً من تجاوزها.
إن هذا الواقع يفسر العداوة التي تواجهها الديمقراطية عندما تسعى إلى تحقيق غاياتها الجوهرية؛ أي عندما تنتج ذاتًا حرة، واعية بكرامتها، وقادرة على تجاوز القيود التي فُرضت عليها. في مثل هذه اللحظات الحرجة، تنكشف هشاشة التزام العديدين بالديمقراطية، حيث يعود هؤلاء إلى استدعاء أنساقهم المعرفية التقليدية، التي تُعيد إنتاج السلطة على أسس ضيقة، تخدم أجنداتهم الخاصة على حساب مصلحة الوطن.
إن التدافع بين من يؤمنون بالديمقراطية كمنهج للتحرر والعدالة، ومن يسعون إلى استغلالها شكليًا، يكشف عمق التناقض بين الخطاب الديمقراطي الظاهري والفعل السياسي الديمقراطي الحقيقي. هذا التناقض لا يشير فقط إلى قصور في الفهم العميق للديمقراطية، بل يكشف عن مقاومة متأصلة للتغيير من لدن المتشدقين بالديمقراطية باعتباره تهديدًا لوجودهم الزائف.
الديمقراطية ليست مجرد نظام إداري أو منظومة من القواعد؛ إنها مشروع أخلاقي ومعرفي يتطلب استعدادًا لتحمل مسؤولية الحرية وتحقيق العدالة. إنها دعوة للمجتمع بأسره لإعادة النظر في علاقاته بالسلطة والقيم، وقبول التغيير كحتمية لا مفر منها من أجل بناء مستقبل أكثر عدلاً وكرامة.
الشيخ سيد احمد ولد حيدا