تانيد ميديا : يستعد عشرات الآلاف من الشباب الموريتاني لإجراء امتحان الباكالوريا خلال الأيام الأربعة ابتداء من اليوم الاثنين، وذلك سعيا إلى نيل حلم الالتحاق بالتعليم العالي، يتحطم هذا الحلم كل سنة على صخرة ضعف مستويات التلاميذ الذين يحصدون تجاوزات سنوية غير منطقية تنتهي إلى حفلة رسوب جماعية في البكالوريا.
ويتوزع المترشحون للباكالوريا على أربع شعب أساسية هي:
الشعبة الرياضية: وتستقطب نخبة الطلاب الموريتانيين وتصل نسبة النجاح فيها دائما إلى حدود 40% من المترشحين خلال الدورتين، وغالبا لا يصل عدد المترشحين للبكالوريا الرياضية إلى حدود ألف مترشح.
الشعبة العلمية: ويترشح لها غالبا أكثر من عشرة آلاف تلميذ و تلميذة.
الشعبة الأدبية: أعداد المترشحين والناجحين في هذه الشعبة في تناقص مستمر.
الشعبة الأصلية: تحتاج مناهج هذه الشعبة للإصلاح فالمترشح لها لايستفيد من ماضيه المحظري، وفضلا عن ذلك ظلت الشعب الأدبية وكرا لكثير من الأفكار المنافية للأصالة الموريتانيةـ مثل نظريتي الفيض وداروين.
حرب أمنية ضد الغش والاختلاس
وسيرل على سنة من سبقه في الوزارة، أعلن وزير التهذيب الوطني في موريتانيا ابراهيم فال ولد محمد الأمين عن مسارات متعددة لمواجهة الغش من بينها:
- قطع الانترنت عن الهواتف المحمولة خلال ساعات امتحان الباكالوريا
- توقيف عمل المدارس الحرة وإلزامها بإغلاق مقراتها خلال فترة الامتحان
- تشديد الرقابة الداخلية ومنع دخول الهواتف
- طرد المتورطين في الاختلاس
- إقامة رقابة خارجية أمام مراكز الباكالوريا
وتأتي هذه المسارات ضمن عمل منسق بين وزارتي الداخلية والتهذيب الوطني، حيث تم استنفار مئات العناصر التربوية والأمنية لمواكبة هذا الامتحان الذي يمثل البوابة الأكثر صعوبة نحو التعليم العالي وكثير من فرص الوظيفة العمومية، ويعني العجز عن العبور خسارة 13 سنة على الأقل من عمر التلميذ وأسرته ومجتمعه، وما أنفقوا من أموالهم بجهد ولرهاق، في السعة والإملاق.
وفي مواجهة الإرادة الرسمية يقف رهان آخر على الغش والاختلاس تتعاون فيه أطراف متعددة من أبرزها:
- الطلاب الذين ينتشر فيهم بشكل هائل ضعف المستويات وضعف الثقة في المعلومات
- رهان الأهالي على الاختلاس باعتباره وسيلة وحيدة للتجاوز
- وجود شبكات تضم بعض العناصر الناشطة في التعليم النظامي.
وقد دأب البعض على الترشح من داخل البلاد حيث: غاب الرقيب وغاب كل منكد وهما بشمل الوصل مجتملان.
أتراهما ضجرين من ذا العيش لاوحيلة ربك ماهما ضجران.
وبين صراع الإرادتين تبقى أزمة البكالوريا حاجزا قويا في أداء قطاع التهذيب الوطني، وعنوان إخفاق متعدد الجوانب في أداء المدرسين وفي مصداقية النجاحات التي يراكمها التلاميذ كل سنة.
عشرية من أرقام الانهيار المخيف
وصلت نسبة النجاح في الباكالوريا في موريتانيا 8% فقط خلال العام 2022، فيما كانت نسبة النجاح سنة 2021 في حدود 8% مسجلة بذلك أدنى نسبة نجاح عربية وإفريقية، فيما كانت سنة 2020 سنة "نجاح باهر" حيث وصلت نسبة المتجاوزين في الباكالوريا في الدورتين إلى 16%، أما في العام 2019 فلم تتجاوز النسبة 10% فيما كانت في حدود 12% في سنة 2017، وفي سنة 2016 توقف عداد النجاح عند نسبة 6.4، كنهاية حدية صغرى، في هذا المسلسل الحزين، فيما كانت قد ارتفعت إلى حوالي 10% في امتحانات 2015، وفي سنة 2014 كانت نسبة النجاح مرتفعة عما بعدها من سنوات حيث وصلت إلى 13%، فيما كانت في حدود 9.5%.
وإلى جانب هذه النسب الضئيلة فإن مؤشرات الفقر والبعد عن المركز تضفي هي الأخرى طابعا مأساويا في ترتيب نسب النجاح في ولايات موريتانيا، وتظهر هذه الأرقام المسجلة في العام 2019 استئثار العاصمة نواكشوط بالنسب الأكبر ضمن "النسبة القليلة أصلا"
1. ولاية نواكشوط الغربية: نسبة النجاح: 12.2%.
2. ولاية داخلت نواذيبو: نسبة النجاح: 9.4%
3. ولاية تيرس الزمور: نسبة النجاح: 9%.
4. ولاية نواكشوط الجنوبية: نسبة النجاح: 8.8%.
5. ولاية تكانت: نسبة النجاح: 7.8%.
6. ولاية نواكشوط الشمالية: نسبة النجاح: 3%.
7. ولاية العصابة: نسبة النجاح: 6.1%.
8. ولاية إنشيري: نسبة النجاح: 5.9%.
9. ولاية الترارزة: نسبة النجاح: 5.5%.
10. ولاية آدرار: نسبة النجاح: 5.1%.
11. ولاية كوركل: نسبة النجاح: 4.6%.
12. الحوض الشرقي: نسبة النجاح: 3.3%.
13. ولاية البراكنة: نسبة النجاح: 2.8%.
14. الحوض الغربي: نسبة النجاح: 2.7%.
15. ولاية كيدماغا: نسبة النجاح: 1.7%.
الباكالوريا ...قرنان ونصف من عظمة التعليم
دخل نظام الباكالوريا التعليم الفرنسي سنة 1808 بقرار من القائد الفرنسي الشهير نابليون بونابرت، قبل أن تتسرب عبر قوة الاستعمار إلى الدول التي بسطت عليها فرنسا سيطرتها العسكرية والثقافية المريرة.
ويعتبر الطبيب والدبلوماسي راسين توري أول موريتاني ينال هذه الشهادة في العام 1947، لينالها بعده بسنة المؤرخ الشهير محمد ولد مولود ولد داداه سنة 1948، وفي سنة 1949 نالها أيضا ابن عمه الرئيس السابق المختار ولد داداه، ثم بدأت تتوسع بعد ذلك.
وقد كانت جامعة الشيخ آنتا جوب السنغالية هي المشرف الحصري على تنظيم البكالوريا في موريتانيا واستمر الأمر حتى منتصف السبعينيات، حيث وصلت نسبة النجاح سنة 1974 قرابة 85.25% ، فيما تراجعت إلى 50% في السنة الموالية، قبل أن ترتفع سنة 1980 إلى 56%، قبل أن تهبط في السنة الموالية إلى 33.26%، ثم عاودت ارتفاعها نسبيا في السنوات 1983 إلى 36% و40% سنة 1987، قبل أن تنحط مخفقة بعد ذلك.
وارتبطت نسبة النجاح في الباكالوريا بنسب الترشح، فكلما توسعت دائرة المترشحين قلت نسبة النجاح بشكل كبير، وذلك بسبب ضعف المخرج الكيفي في إنتاجية التعليم في موريتانيا، وانتشار قاعدته الأفقية.
هل من ضوء في النفق
لا يتوقع التربويون الموريتانيون أي تقدم نوعي في نسب النجاح في الباكالوريا، وذلك لأسباب متعددة، منها:
- أن الباكالوريا هي القمة النهائية لمسار تعليم فاشل من الابتدائية إلى الثانوية، وهي موسم الحصاد الذي يظهر بشكل كبير ضعف وإخفاق المسار التعليمي الموريتاني.
- أن شفافية التصحيح التي يمتاز بها التعاطي مع البكالوريا تلغي دائما فرص نفخ النتائج أو ترفيع من لا يستحقون النجاح وتظهر بوضوح من خلال نسب الرسوب مستوى تغلغل الفشل في المنظومة التعليمية.
- أن الأسباب المؤدية إلى الفشل في الباكالوريا هي أسباب تراكمية يغض عنها قطاع التهذيب النظر منذ عقود، وتتعلق أساسا بإشكال اللغة الفرنسية، وضعف الرسالية في أداء المدرسين.
كلما في الأمر أن إصلاح 1999أجهز على ما تبقى من التعليم، وفتح الباب أمام الفشل الذي يعيشه التعليم.
المزية الوحيدة التي جلبها هذا الإصلاح أنه وفر فرص عمل لمواطني دول غرب افريقيا المتفرنسين فأصبح متاحا لكل من هب منهم ودب تقديم دروس خصوصية لأبناء موريتانيا المتعثرين في اللغة الفرنسية التي أصبحت الحاملة للمواد العلمية.
ويؤكد خبراء تربويون متعددون، أن استمرار تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية سيزيد من نسب الرسوب، حيث يعجز التلاميذ في المرحلة الابتدائية عن تحصيل الحد الأدنى من اللغة الفرنسية، كما يخفقون أيضا في تحصيل الحد الأدنى من الملكات والقدرات العلمية المحققة لفهم المادة العلمية المعقدة بطبيتعتها.
ورغم الدعوات المتكررة، فإن موريتانيا ما تزال مصرة على " فرنسة التعليم" رغم كل الإخفاق التي يترنح فيها التعليم.